ولعل عبد القاهر الجرجاني خير من فصل في هذه القضية ، فهو يقرر في معرض الكلام عن التجنيس والسجع أنهما يختصان بالقبول والحسن عند ما يكون المعنى هو الذي يقود المتكلم نحوهما لا أن يقوداه إلى المعنى.
حتى أنه لو تركهما إلى خلافهما مما لا تجنيس ولا سجع فيه لنسب إليه ما ينسب إلى المتكلف للتجنيس المستكره والسجع النافر.
وفي ذلك يقول : «ولن تجد أيمن طائرا وأحسن أولا وآخرا ، وأهدى إلى الإحسان ، وأجلب إلى الاستحسان من أن ترسل المعاني على سجيتها ، وتدعها تطلب لأنفسها الألفاظ ، فإنها إذا تركت وما تريد لم تكتس منها إلا ما يليق بها ، ولم تلبس من المعارض إلا ما يزينها.
فأما أن تضع في نفسك أنك لا بد من أن تجنس أو تسجع بلفظين مخصوصين فهو الذي أنت منه بعرض الاستكراه ، وعلى خطر من الخطأ والوقوع في الذم. فإن ساعدك الجد كما ساعد المحدث ـ يعني أبا الفتح البستي ـ في قوله :
ناظراه فيما جنى ناظراه |
|
أو دعاني أمت بما أودعاني |
وكما ساعد أبا تمام في نحو قوله :
وأنجدتمو من بعد اتهام داركم |
|
فيا دمع أنجدني على ساكني نجد |
فذاك. وإلا أطلقت ألسنة العيب ، وأفضى بك طلب الإحسان من حيث لم يحسن الطلب ، إلى أفحش الإساءة وأكبر الذنب» (١).
رد العجز على الصدر
أول من تكلم عن هذا الفن البديعي اللفظي عبد الله بن المعتز ،
__________________
(١) كتاب أسرار البلاغة ص ٤ ـ ١٠.