قال ابن عباس في قوله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ [وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى] وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ)(١) يعني : فحاضت ، فلما طهرت طاف عليها فاستحملت ، فأصبح لا يتكلم ، فكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه ، فإذا أراد أن يكلّم الناس اعتقل لسانه ، فلا يستطيع أن يتكلم ، وذلك أن إبليس أتاه فقال : يا زكريا دعاؤك كان دعاء خفيا ، فأجبت بصوت رفيع وبشّرت بصوت عال ، ذلك الصوت من الشيطان ليس من جبريل ، ولا من ربك ، فكذلك (قالَ : رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي ربّ حتى أعرف أن هذه البشرى منك ، قال الله تعالى (آيَتُكَ) إذا جامعتها على طهر فحملت ، فإنك تصبح لا تستنكر من نفسك خرسا ، ولا سقما ، فتصبح لا تطيق الكلام مع الناس ثلاثة أيام إلّا إشارة تومئ بيدك أو برأسك أو بالحاجبين.
قال ابن عبّاس في قوله : (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً)(٢) يعني رمزا بالحاجبين ، قال ابن عبّاس : كان عقوبة له لأنه بشّر بالولد فقال : أنّى يكون لي ولد ، فخاف أن يكون الصوت من غير الله ، (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ)(٣) يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه ، (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) بكتاب كتبه بيده (أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)(٤) ، يعني أن صلّوا بكرة وعشيا ، يعني صلاة الغداة والعصر ، فقد وهب الله لي يحيى ، فولد له يحيى على ما بشّره الله ، نبيّا ، تقيا ، صالحا ، وقد أنزل الله في ذلك قرآنا على نبيّه صلىاللهعليهوسلم في ما عنى من قصته : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ)(٥) يعني : بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(٦) قال ابن عباس : ذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء ، فقالوا : يا يحيى ، تعال حتى نلعب ، فقال : سبحان الله ، أو للّعب خلقنا؟!
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك ، أنا أبو طاهر بن محمود ، أنا أبو [بكر](٧) بن المقرئ ، نا إسحاق بن يوسف ، نا أبو عتبة ، نا سلمة بن عبد الملك
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٩٠ والزيادة عن التنزيل العزيز. وقوله : وأصلحنا له زوجه : أنها كانت لا تحيض وحاضت ، وقال القرطبي في أحكام القرآن ١١ / ٣٣٦ : قال أكثر المفسرين : إنها كانت عاقرا فجعلت ولودا ، وقال ابن عباس وعطاء : كانت سيئة الخلق ، طويلة اللسان فأصلحها الله تعالى فجعلها حسنة الخلق.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٤١.
(٣) سورة مريم ، الآية : ١١.
(٤) سورة مريم ، الآية : ١١.
(٥) سورة مريم ، الآية : ١٢.
(٦) وذلك أن الله علمه الكتاب والحكمة وهو صغير في حال صباه قال قتادة : كان ابن سنتين أو ثلاث سنين. وقال ابن عباس : من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا.
(٧) سقطت من الأصل ، واستدركت عن م ، و «ز».