وكانت الأمراء تسافر من القاهرة إلى الشام بمفردها راكبة أو ماشية لا تحمل زادا ولا ماء إلى أن أخذ تيمور لنك دمشق وسبىء أهلها وحرقها فى سنة ثلاث وثمانمائة ، فخربت من حينئذ مراكز خيل البريد واشتغل أهل الدولة بما جرى من أمر تيمور لنك فعند ذلك أختل طريق الشام اختلالا فاحشا.
ذكر مدينة عين شمس
قال ابن وصيف شاه : وقد كان الملك منقاوش إذا ركب حملوا بين يديه التماثيل العجيبة ، فتجمع الناس ويتعجبون منهم فعند ذلك أمر أن يبنى له هيكل للعبادة يكون له خصوصا ، ويجعل فيه قبة فيها صورة الشمس والكواكب وحولها أصناما وعجائبا ، فبنى عين شمس وجعل فيه عمودين ، وكتب عليها تاريخ الوقت الذى عملوا فيه باقيان إلى اليوم ، وهو الموضع الذى يقال له عين شمس ، ونقل إليه كنوز كثيرة وجواهر وأصنام ومن جملتهم صنم على صورة امرأته وكان يحبها حبا شديدا فلما ماتت أمر أن يعمل لها مثلا فعمل مثل صورتها من ذهب بدوابتين سوداء وعليها حلة من الجوهر المنظوم وهى جالسة على كرسى من ذهب وكان يجعلها بين يديه فى كل موضع يجلس فيه فيتسلى بها عن امرأته التى [ق ١٩٩ أ] ماتت ، ولما مات أمر أن تدفن تلك الصورة معه فجعلت تحت رجليه كأنها تخاطبه وجعل معه شىء من الجواهر والذهب ويقال إنه عاش إحدى ومائة سنة ، ومات بالطاعون.
وقال شافع بن على فى كتاب عجائب البلدان عين شمس مدينة صغيرة تشاهد سورها محدقا بها ويظهر من أمرها أنها كانت بيت عبادة كما تقدم ، وفيها من الأصنام ما يكون طول الصنم بقدر ثلاثين ذراعا من مقحت وأعضاؤه علي تلك النسبة من العظم ، وكل هذه الأصنام قائمة على قواعد عجيبة باتقانات محكمة وباب هذه المدينة موجود إلى الآن ، وفى هذه المدينة العمودان المربعان الذى يقال لهما المسلتان المشهورتان وهى اليوم ويقال لها مسلة فرعون وهى علي صفة المسلة علي قاعدة مربعة طولها عشرة أذرع في مثلها ، وقد وضعت علي أساس ثابت في الأرض ثم أقيمت عليه وهي عمود [ق ١٩٩ ب] مربع مخروط طوله نحو ماذة دراع يبتدأ علي نحو خمسة أذرع وينتهى إلى رأسها وهي كالقلنسوة وقد لبست بالنحاس إلى نحو ثلاثة أذرع منها كالقمح وقد ترتجر من كثرت الأمطار وطول المدة ، وأخضر وعليها كتابات