عمرو بن جبلة قال : أرق معاوية بن أبي سفيان ذات ليلة ، فبعث إلى الأحنف بن قيس ، فقال له : يا أبا بحر ، كيف رضاك عن الولد؟ فقال الأحنف : فعلمت أنه قد عتب على يزيد ، فتكلمت بكلام لو كنت .... (١) فيه سنة ما زدت ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، هم ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم سماء ظليلة ، وأرض ذليلة ، بهم نصول على كلّ حليلة (٢) ، فإن غضبوا فارضهم وإن سألوا فأعطهم يمحضوك ودّهم ويلطفوك جهدهم ، ولا تكن عليهم قفلا لا تعطهم نزرا فيملوا حياتك ويكرهوا قربك ، فقال معاوية : لله درّك يا أبا بحر ، ثم قال معاوية : يا غلام ائت يزيد ، فأقره منّي السّلام ، وقل له : إن أمير المؤمنين قد أمر لك بمائة ألف درهم ، ومائة ثوب ، فقال يزيد للرسول : من عند أمير المؤمنين؟ قال : الأحنف ، فقال يزيد : لا جرم ، لأقاسمنّه ، فبعث إلى الأحنف بخمسين ألفا وخمسين ثوبا.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد ، نا محمّد بن زكريا الغلابي ، نا ابن عائشة عن أبيه قال :
كان يزيد بن معاوية في حداثته صاحب شراب يأخذ مآخذ الأحداث ، فأحس معاوية بذلك ، فأحبّ أن يعظه في رفق ، فقال : يا بني ، ما أقدرك على أن تصير إلى حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءك وقدرك ، ثم قال : يا بني إنّي منشدك أبياتا فتأدب بها ، واحفظها ، فأنشده :
انصب نهارا في طلاب العلا |
|
واصبر على هجر الحبيب القريب |
حتى إذا الليل أتى بالدجى |
|
واكتحلت بالغمض عين الرقيب |
فباشر الليل بما تشتهي |
|
فإنما الليل نهار الأريب |
كم فاسق تحسبه ناسكا |
|
قد باشر الليل بأمر عجيب |
غطى عليه الليل أستاره |
|
فبات في أمن وعيش خصيب |
ولذّة الأحمق مكشوفة |
|
يشفي بها كلّ عدو غريب |
في الكتاب الذي أخبرنا ببعضه أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنا أبو عمرو بن مندة ، أنا الحسن بن محمّد بن أحمد ، أنا أحمد بن محمّد بن عمر ، نا ابن أبي الدنيا ، أخبرني أبو عبد الله ، عن علي بن محمّد ، عن غسّان بن عبد الحميد ، عن جعفر بن عبد الرّحمن بن
__________________
(١) غير مقروءة وصورتها بالأصل وم و «ز» : «روات».
(٢) في «ز» : «حل» وبعدها بياض ، وكتب على هامشها : ممزق بالأصل.