ومات لعبد الله بن عامر المازني رضياللهعنه ، في الطاعون الجارف ، سبعة بنين في يوم واحد ، فقال : إني مسلم مسلم.
وعن عبد الرحمن بن عثمان قال : دخلنا على معاذ وهو قاعد عند رأس ابن له ، وهو يجود بنفسه ، فما ملكنا أنفسنا أن ذرفت أعيننا ، وأنتحب بعضنا ، فزجره معاذ ، وقال : مه ، فو الله ليعلم الله برضاي ، لهذا أحب إلي من كل غزوة غزوتها مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإني سمعته يقول : « من كان له أبن وكان عليه عزيزاً ، وبه ضنيناً ، ومات فصبر على مصيبته واحتسبه ، أبدل الله الميت داراً خيراً من داره ، وقراراً خيراً من قراره ، وأبدل المصاب الصلاة والرحمة والمغفرة والرضوان ».
فما برحنا حتى قضى ـ والله ـ الغلام حين أخذ المنادي لصلاة الظهر ، فرحنا نريد الصلاة ، فما جئنا إلا وقد غسله وحنطه وكفنه.
وجاء رجل بسريره غير منتظر لشهود الاخوان ، ولا لجمع الجيران ، فلما بلغنا ذلك تلاحقنا ، وقلنا : يغفر الله لك يا أبا عبد الرحمن ، هلا انتظرتنا حتى نفرغ من صلاتنا ، ونشهد ابن أخينا.
فقال : أمرنا أن لا ننتظر موتانا ساعة ماتوا بليل أو نهار ، قال : فنزل في القبر ، ونزل معه آخر ، فلما أراد الخروج ناولته يدي لأنتهضه (١) من القبر ، فأبى وقال : ما أدع ذلك لفضل قوتي ، ولكن أكره أن يرى الجاهل أن ذلك مني جزع ، أو استرخاء عند المصيبة ، ثم أتى مجلسه ، ودعا بدهن فأدهن وبكحل فاكتحل ، وببردة فلبسها ، وأكثر في يومه ذلك من التبسم ، ينوي به ما ينوي ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، في الله خلف عن كل هالك ، وعزاء من كل مصيبة ، ودرك لكل ما فات.
وروي : إن قوماً كانوا عند علي بن الحسين عليهماالسلام ، فاستعجل خادماً بشواء في التنور ، فأقبل به مسرعاً ، فسقط السفود (٢) من يده على ولد علي بن الحسين عليهالسلام ، فأصاب رأسه فقتله ، فوثب علي بن الحسين عليهماالسلام ، فلما رأى ابنه ميتاً ، قال للغلام : « أنت حر لوجه الله تعالى ، أما إنك لم تتعمده » ثم أخذ في جهاز أبنه (٣).
____________
١ ـ في « ش » : لأنشطه.
٢ ـ السفود : بفتح السين وضمها ، حديدة ذات شعب معقفة يشوى بها اللحم. « لسان العرب ـ سفد ـ ٣ : ٢١٨ ».
٣ ـ كشف الغمة ٢ : ٨١ باختلاف يسير ، والبحار ٨٢ : ١٤٢.