جيش ، ولا ترضى أن يدوم لنا على الضيم عيش. وهذا النصراني المأخوذ بميورقة نأخذ من ماله جملة ، ونجعل ذات أيدينا للانتصاف من أعادينا وصلة.
فأخذ عليهم بذلك العهود ، وأشهد على مقالتهم الشهود (١) ، وأنفذ إلى ميورقة كبيرا من النصارى ، وطلب الوالي برد المركب والمال والأسارى ، على أن يكف عن المسلمين ، ويصالحهم عشر سنين ، وإن أصرّ على اللجاجة (٢) ، وصار إلى الرّد في الحاجة ، فإنه يغزوه لا محالة ، ويصدّق بفعاله هذه المقالة. فوصل الرّسول ونزل ، وأدّى عن صاحبه ما طلب وبذل ، فاستعظم الوالي هذه الغرامة ، وقال لا ولا كرامة (٣) ، وأعاد عليه الكلام فلم ينتفع بإعادة ، وعاد إلى الاقتصار على الأسارى دون زيادة ، والوالي قد استخف بالأحوال المخيفة ، ومثل نفسه بصادق الحنيفية (٤) مع كذاب حنيفة.
فلما علم الرّسول أن يده لا تسمح بما أرعت ، وأذنه لا تقبل على ما وعت ، أحال إلى الكدر كبوه ، وأبلغه مقالة الملك وأنّه أجمع غزوه ، فأبرق
__________________
(١) جناس ناقص بين" العهود والشهود".
(٢) لجّ في الأمر : تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه. وفي الحديث : إذا استلجّ أحدكم بيمينه فإنّه آثم له عند الله من الكفّارة. ومعناه أن يحلف على شيء ويرى أن غيره خير منه فيقيم على يمينه ولا يحنث. وقيل : هو أن يرى أنّه صادق فيها مصيب فيلجّ فيها ولا يكفرها. ويقال رجل لجوج ولججة مثل همزة ، والأنثى لجوج ، والملاجّة : التمادي في الخصومة. لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٣٥٣.
(٣) جناس ناقص بين" الغرامة والكرامة".
(٤) صادق الحنيفية : هو الخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وكذاب حنيفة هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث من بني حنيفة الشهير بمسيلمة الكذاب لا دعائه النبوة. وكان من أهل الردة الذين قاتلهم الخليفة أبو بكر حين وجه إليه خالد بن الوليد في اليمامة ، وكان مقتله على يد وحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب ، وذلك في شهر ربيع الأول سنة ١٢ ه. ابن هشام ، السيرة النبوية ، ج ٤ ، ص ٢٤٦. عبد الوهاب النجار ، الخلفاء الراشدون ، ص : ٥٩.