سبب اختلاف الرّعية الجاني على البلد أعظم البلية
قد تقدّم أن أكثر مدّة هذا الوالي كانت صفوا بلاد كدر (١) ، ونفعا دون ضرر ، وأن أمور الرعية كانت عنده مرعية ، وسياسته لم تزل سديدة مرضية ، وما نقم منه إلّا ازدياد من الدّنيا وحطامها ، وانقياد من الأطماع في خطامها (٢). فلما تمّ على قومه من الخلع بالأندلس ما تمّ ، وورد عليه من الخبر ما انزعج له واهتم ، أوى إليه طرداء منهم آواهم ، ورقّ لبلواهم ، فأشاروا عليه بالاحتراس ، وحملوه على إساءة الظن بالناس ، وانضم كل ذي حي إلى حيّه ، ونقل صاحبه إلى مثل رأيه ، وهم قوم لهم الأفئدة غلاظ (٣) ، وكل منهم على غير صنفه حنق مغتاظ ، وقد وتروا (٤) فهم يعضون الأنامل حسرة ، ويرون / ١٣ / التأثير في أهل الجزيرة ثؤرة. فدبّروا حصول هذه الغاية ، ودبّوا بين الوالي وبينهم بالسعاية ، وقرّروا عنده أنهم يبغضون القبائل ، وينصبون لهم الحبائل (٥) ، وأنهم إن أهملوا أوقعوا بهم في الأموال والأنفس ، وفعلوا بهم ما فعله أهل الأندلس.
__________________
(١) كناية عن الأوضاع الحسنة التي عرفها عهد الوالي أبي يحيى التنملّي.
(٢) الخطام وجمعه خطم ، وهو الحبل الذي يقاد به البعير. والخطام : الزّمام. وخطمت البعير : زممته. والخطام كل حبل يعلّق في حلق البعير ثم يعقد على أنفه. وقيل هو كلّ ما وضع في أنف البعير ليقاد به. وخطام الدّلو : حبلها. وخطام القوس : وترها. وقد استعار المؤلف هنا الخطام في الأطماع كما استعارها بعض الرّجّاز أيضا في الحشرات حين قال :
يا عجبا لقد رأيت عجبا |
|
حمار قبّان يسوق أرنبا |
عاقلها خاطمها أن تذهبا |
|
فقلت أردفني فقال مرحبا |
لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ١٨٦.
(٣) كناية عن الخلاف بين الميورقيين.
(٤) الوتر والوتر والتّرة والوتيرة : الظّلم في الذحل (الثأر) وقيل هو الذّحل عامّة. وكل من أدركته بمكروه فقد وترته وترا وترة. والموتور : الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه. وفي حديث محمد ابن مسلمة : أنا الموتور الثائر أي صاحب الوتر الطالب بالثأر. وقيل الوتر في الذّحل (الثأر) ، والوتر في العدد. لسان العرب ، ج ٥ ، ص ٢٧٤.
(٥) جناس ناقص بين" القبائل والحبائل".