حدث في ذلك المنزل. وتوجد فوق المغارة كنيسة مكرسة للبشارة (١). وهذا المكان المقدس دمر في السابق ، ثم أعاد الفرنجة بناءه بعناية عظيمة. ويعيش فيه أسقف لاتيني غني ، وهذا المكان المقدس تحت إشرافه الآن. ولقد استقبلنا بحفاوة ، وقدم لنا اللحم والشراب ، وامضينا الليلة في المدينة. وبعد نوم مريح ، استيقظنا في صباح اليوم التالي ، ثم ذهبنا إلى الكنيسة لنقوم بواجب الكرم ، ثم دخلنا إلى المغارة ، وتعبدنا في جميع الأماكن المقدسة فيها. وبعد ذلك غادرنا المدينة ، وذهبنا إلى الشمال الشرقي ، حيث وصلنا إلى بئر عميقة جدا ذات ماء بارد ، وينزل إليه المرء على عدة درجات. ويغطي البئر كنيسة مستديرة مكرسة للملاك جبريل.
٩٤ ـ بئر البشارة الأولى : تبلغ المسافة من مدينة الناصرة إلى هذا البئر المقدس بمقدار رمية قوس (٢). وأنه بالقرب من هذا البئر تلقت مريم العذراء الإشارة الأولى من الملاك. لقد جاءت لتأخذ الماء ، وكانت قد ملأت الجرّة ، عند ما سمعت صوت الملاك غير المرئي قائلا : " إنني أحييك ، أيتها الممتلئة نعمة ، إن الرب معك". ونظرت مريم حولها ولم تر شيئا ، ولكنها سمعت الصوت فقط ، عندها حملت السقاء مرة ثانية ، ثم عادت مندهشة وقالت لنفسها : " ماذا يعني ذلك الصوت الذي سمعته بدون أن أرى أي أحد؟ " وعند العودة إلى منزلها في الناصرة جلست على البقعة التي اسلفنا ذكرها وأعلن لها عن ميلاد المسيح. وتقدر المسافة بين الناصرة وقرية عيسو (٣) بمسافة خمسة فرستات.
٩٥ ـ بلدة قانا الجليل (٤) : تبلغ المسافة من هذه القرية وحتى قانا في الجليل حوالي فرست
__________________
(١) أقام المسيحيون كنيسة في المكان الذي تحدث فيه الملاك مع مريم العذراء ـ عليها السلام ـ وعرفت باسم كنيسة البشارة ، وتم تشييدها في القرن الرابع الميلادي ، وكانت من أعظم الكنائس متانة واتساعا وجمالا. وقام الصليبيون بترميم وتجديد مبنى الكنيسة أثناء احتلالهم للأراضي المقدسة. انظر : مصطفى مراد الدباغ :
بلادنا فلسطين ، ج ٧ ، ق ٢ ، ص ٧٣.
(٢) ورد في المخطوطة التي تحمل الرمزD ، وعند سايولف الصيغة التالية بئر بشارة الملاك of the archangel (الترجمة الإنجليزية). وبئر البشارة هو الموضع الذي بشرت فيه الملائكة مريم العذراء عليها السلام ، بأنها ستلد ابنا وتسميه المسيح ، قال تعالى : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (آل عمران : آية ٤٥). وتعرف البئر في الوقت الحاضر باسم عين العذراء لأن مريم العذراء كانت تملأ الماء منها وحسب التقاليد الواردة من القرن الأول الميلادي فإن الملاك بشر العذراء على هذه العين وهي تملأ جرتها ثم أتم البشارة في البيت. انظر : مصطفى مراد الدباغ :
بلادنا فلسطين ، ج ٧ ، ق ٢ ، ص ٧٤.
(٣) ورد في المخطوطة التي تحمل الرمزD أن القرية تعرف باسم قرية يعقوب. وفي بعض المخطوطات أن القرية تعرف باسم قرية اسحق.Cf.S.,R. المكان المشار إليه هو قرية المشهدMeshed بين مدينة الناصرة وقرية كفر كنا ، حيث يرى الآن قبر يونس Jonah (الترجمة الإنجليزية وقرية المشهد تبعد عن الناصرة بحوالي ثلاثة اميال (٥٥٤٤ متر) باتجاه الشمال الشرقي ، وتحدها من الغرب قرية صفورية على بعد نحو ميلين (٣٦٩٦ متر) وأقرب القرى لها قرية كفر كنا. انظر : مصطفى مراد الدباغ : بلادنا فلسطين ، ج ٧ ، ق ٢ ، ص ٩٩.
(٤) يعتقد أن قرية" عين قاصين" الكنعانية هي موقع قرية كفر كنا الحالية ، وقد ذهب بعض المختصين إلى ان قرية كفر كنا الحالية هي قانا الجليل المذكورة في العهد الجديد. وقانا الجليل التي تشير التقاليد المسيحية إلى ان المسيح عليه السلام صنع فيها معجزتين الأولى تحويله الماء إلى خمر ، والثانية شفائه عن بعد لمريض في ـ