بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم :
الأستاذ الدكتور عفيف عبد الرحمن أبو الهيجا
عرف ترائنا العربي أدب الرحلات منذ أكثر من اثني عشر قرنا حينما كان الخلفاء العباسيون يرسلون الرسل لدراسة أصقاع من العالم تمهيدا لنشر الإسلام فيها ، ومثال ذلك تلك الرحلات إلى بلاد الروس حاليا ، إذ كان الخليفة العباسي يرسل مبعوثيه إليها ليعودوا إليه بأخبارها. ومن هؤلاء أحمد بن فضلان بن العباس (١) الذي أوفده الخليفة العباسي المقتدر بالله إلى ملك البلغار (الصقالبة) سنة ٣٠٩ ه (٢). وهناك المسعودي الذي جاب الآفاق ، فزار فارس ، ومناطق من الهند ، وزار ملبار ، والصين ، ومدغشقر ، وآسيا الصغرى ، والشام ، ومصر (٣). ويعتبر الرحالة الفارسي ناصر خسرو علوي من رواد الرحالة المشارقة في القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي ، وكان ذا ثقافة
__________________
(١) أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد : هو مولى محمد بن سليمان ورسول الخليفة المقتدر بالله العباسي إلى ملك الصقالبة ، وقد دون ملاحظاته عن رحلته في رسالة سجل فيها مشاهداته في بلاد الترك والخزر والباشغرد وغيرهم على اختلاف مذاهبهم وأخبار ملوكهم وأحوالهم متعرضا إلى كثير من أمورهم.
انظر : مريزن سعيد مريزن عسيري : الحياة العلمية في العراق في العصر السلجوقي ، الطبعة الأولى ، مكة ١٤٠٧ ه / ١٩٨٧ م ، ص ٦٧ ـ ٦٨. وتجدر الإشارة إلى أن الخليفة المقتدر بالله العباسي (ت ٣٢٠ ه / ٩٣٢ م) أرسل ابن فضلان إلى بلاد الصقالبة من أجل أن يفقه الملك وقومه بشريعة الإسلام. وقد خرج ابن فضلان من بغداد إلى نيسابور فخوارزم ، ثم توغل في بلاد الصقالبة على نهر الفولجا. وخلال هذه الرحلة الطويلة وصف لنا ابن فضلان بعض المظاهر الطبيعية ، من تجمد نهر جيحون والرياح الباردة وتفاوت الليل والنهار في الطول والقصر في هذه الأصقاع النائية. كما وصف لنا بعض المظاهر الاجتماعية سواء في المناطق التي مر بها مثل منطقة قبيلة الغز من الأتراك ، أو أهالي منطقة نهر الفولجا. انظر : خليل إبراهيم السامرائي : دراسات في تاريخ الفكر العربي ، " جامعة الموصل" ، " مديرية دار الكتب للطباعة والنشر" الموصل ١٩٨٦ م ، ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥.
(٢) السيد عبد العزيز سالم : التاريخ والمؤرخون العرب ، " مؤسسة شباب الجامعة" ، الاسكندرية ، ١٩٨١ م ، ص ٢١٥ ـ ٢١٦ خليل ابراهيم السامرائي : المرجع السابق ، ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥ رشدي فكار : الاثنوغرافيا والسوسيوغرافيا ولزوم التعريف في مدخلها برحالة الإسلام ، الطبعة الأولى ، " دار الآفاق الجديدة" ، بيروت ، ص ٤٧ ـ ٥٣.
(٣) المسعودي : هو علي بن الحسين بن علي ، كان إخباريا علامة صاحب غرائب وملح ونوادر ، وقد اكتسب شهرته كمؤرخ وجغرافي ورحالة ، وقام بزيارة بلدان كثيرة ، وله مجموعة من المؤلفات من أهمها : " مروج الذهب ومعادن الجوهر" ، وكتاب" الخوارج" وكتاب" البيان في أسماء الأئمة". وقد استقر به الحال في مصر حيث توفي سنة ٣٤٦ ه. انظر الكتبي : فوات الوفيات ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، ج ٢ ، " مكتبة النهضة المصرية" القاهرة ١٩٥١ ، ص ٩٤ ـ ٩٥ ، انظر أيضا : السيد عبد العزيز سالم : التاريخ والمؤرخون العرب ، ص ٢١٦.