الافادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر ، وعبد الله محمد بن بطوطة (١) (ت ٧٧٩ ه / ١٣٧٧ م) في رحلته المسماة" تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" وهناك كثير من الرحالة والجغرافيين المسلمين لا يتسع لهم الحديث في هذا المجال.
وقد حاول رحالة الاسلام معرفة أحوال المجتمعات التي تعيش في أقطار العالم المعروف آنذاك عن طريق زيارتهم ووصفهم الدقيق لما يشاهدوه (٢). وقد ساعدهم على ذلك امتداد رقعة الدول العربية بعد الفتوحات وانطلاق المسلمين إلى مراكز العلم المختلفة في سائر أقطار العالم الاسلامي ، وقد تعددت أسباب الرحلة ، فالبعض رحل بين أقطار العالم الاسلامي في المشرق والمغرب بقصد التجارة ، كسليمان السيرافي التاجر ، أو لأداء فريضة الحج إلى مكة كناصر خسرو وابن جبير ، أو من أجل التجسس كابن حوقل النصيبي ، أو طلبا للاستطلاع وحبا في الاستزادة من معرفة شعوب العالم الاسلامي كالمقدسي البشاري ، أو من اجل القيام بمهمة كأن يكون الرحالة سفيرا للخليفة أو السلطان كابن فضلان والوزير محمد بن عبد الوهاب (٣).
والمكتبة العربية مليئة بما كتبه الرحالة المسلمون في مختلف العصور ، ولكنها في الوقت نفسه خالية مما كتبه الرحالة والحجاج الغربيون ، نظرا لعدم اهتمام الباحثين العرب بهذه الرحلات والعمل على نقلها إلى اللغة العربية ، ولا بد من العمل على نقل هذه الرحلات إلى العربية وتحقيقها تحقيقا علميا خالصا حتى يتسنى للقارئ العربي في وطنه الكبير ، التعرف على أحوال بلاده خلال فترات مختلفة من الزمن. والكتاب الذي بين يدي اليوم هو (رحلة الحاج الروسي دانيال الراهب في الأراضي المقدسة) في الفترة من سنة (١١٠٦ ـ ١١٠٧ م / ٥٠٠ ـ ٥٠١ ه). تعتبر رحلة دانيال الروسي أول رحلة مدونة إلى الأراضي المقدسة. وقد ذكر الرحالة الروسي سبعة وتسعين موضعا في هذا الكتاب ، زارها جميعا ووصفها وصفا واقعيا من وجهة نظره ، وكان أولها بيت المقدس ودير القديس سابا وآخرها النور المقدس. وقد شملت هذه المواقع من حيث الرقعة الجغرافية فلسطين والأردن
__________________
(١) ابن بطوطة : هو أبو عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواني الطنجي ، ولد بطنجة سنة ٧٠٣ ه / ١٣٠٤ م.
ورحلة ابن بطوطة في حقيقة الأمر ثلاث رحلات الأولى جاب فيها معظم أرجاء العالم الإسلامي وهي شمال أفريقيا والحجاز والشام والعراق وإيران ووصل إلى الصين ثم رجع إلى بلاده ، والثانية زار بها الأندلس في عهد مملكة غرناطة والرحلة الثالثة زار بها السودان الغربي. وقد استمرت الرحلة الأولى ٢٥ سنة ، والرحلة الثانية حوالي سنة ، والرحلة الثالثة حوالي ثلاث سنوات ، ودوّن ابن بطوطة ملاحظاته القيمة في رحلته التي عرفت باسم" تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" وقد توفي ابن بطوطة في مسقط رأسه سنة ٧٧٩ ه / ١٣٧٧ م ، وقبره تضمه زاوية قرب سوق احرضان بالمدينة نفسها. انظر : خليل إبراهيم السامرائي : دراسات في تاريخ الفكر العربي ، ص ٢٣٥ رشدي فكار : المرجع السابق ، ص ٦٩.
(٢) رشدي فكار : الاثنوغرافيا والسوسيوغرافيا ، ص ٥٨ ـ ٦٢.
(٣) السيد عبد العزيز سالم : التاريخ والمؤرخون العرب ، ص ٢١١ خليل إبراهيم السامرائي : دراسات في تاريخ الفكر العربي ، ص ٢٢٧ ـ ٢٢٩ مريزن عسيري : المرجع السابق ، ص ٤٥٣.