علماء الكوفة بعد الكسائيّ
الفراء
وأما علماء الكوفيين بعد الكسائيّ فأعلمهم بالنحو أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء ، وقد أخذ علمه عن الكسائي ، وهو عمدته ، ثم أخذ عن أعراب وثق بهم ؛ مثل أبي الجراح (١) وأبي ثروان (٢) وغيرهما ، وأخذ نبذا عن يونس. وأهل الكوفة يدّعون أنه استكثر منه ، وأهل البصرة يدفعون ذلك. وقد أخذ أيضا عن أبي زياد الكلابيّ (٣).
وكان الفرّاء متورّعا متديّنا على تيه فيه وتعظّم ، وكان زائد العصبية على سيبويه. فأخبرنا محمد بن عبد الواحد قال : أخبرنا ثعلب عن سلمة قال : مات الفرّاء وتحت رأسه كتاب سيبويه. قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد : فقام الحامض (٤) أبو موسى إلى ثعلب ، فقال : إنما كان لا يفارقه ، لأنه كان يتتبّع خطأه ولكنته.
وكانت العصبية قد ذهبت بعقل الحامض ، فمن ذلك ما حدّثنا به محمد بن عبد الواحد قال : أخبرني ابن كيسان (٥) قال : رأيت في المنام الجنّ وهم يتناظرون
__________________
(١) ذكره ابن النديم في الفهرست ٤٧.
(٢) هو أبو ثروان العكلي ، من بني عكل ، أعرابي فصيح كان يعلم في البادية. الفهرست ٤٦.
(٣) أبو زياد الكلابي ؛ اسمه يزيد بن عبد الله بن الحر. أعرابي بدوي. قال دعبل : قدم بغداد أيام المهدي حين أصابت الناس المجاعة ، ونزل قطيعة العباس بن محمد فأقام بها أربعين سنة ، وبها مات. (الفهرست ٤٤).
(٤) هو سليمان بن محمد بن محمد بن أحمد أبو موسى الحامض ؛ قال الزبيدي : «كان بارعا في اللغة والنحو على مذهب الكوفيين ؛ وكان في اللغة أبرع ، وكان ضيق الصدر سيء الخلق».
وقال ابن خلكان : «وإنما قيل له الحامض ؛ لأنه كانت له أخلاق شرسة ؛ فلقب الحامض لذلك ، ولما احتضر أوصى بكتبه لأبي فاتك المقتدري ؛ بخلا بها أن تصير إلى أحد من أهل العلم».
توفي سنة ٣٠٥. (وانظر كبقات الزبيدي ١٧٠ ، وابن خلكان ١ / ٢١٤ ـ ٢١٥).
(٥) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان. كان بصريا كوفيا ؛ يحفظ القولين ، ويعرف المذهبين ؛ وكان أخذ عن ثعلب والمبرد ؛ وكان ميله إلى البصريين أكثر. توفي سنة ٢٩٩ ؛ (طبقات الزبيدي ١٧٠ ـ ١٧١).