عبد الله بن أبي إسحاق
قال : وكان ميمون يكنى أبا عبد الله ، فرأس الناس بعد عنبسة ، وزاد في الشرح. ثم توفي وليس في أصحابه أحد مثل عبد الله بن أبي أسحاق الحضرميّ ، وكان يقال : عبد الله أعلم أهل البصرة ، وأعقلهم ، ففرّع النحو وقاسه ، وتكلّم في الهمز حتى عمل فيه كتاب مما أملاه ، وكان رئيس الناس وواحدهم (١).
أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا إبراهيم بن حميد قال : أخبرنا أبو حاتم قال : كان عبد الله بن أبي إسحاق جدّ يعقوب بن الحضرمي القارئ (٢) ، وفيه يقول الفرزدق :
فلو كان عبد الله مولى هجوته |
|
ولكنّ عبد الله مولى مواليا |
وذلك أنه رد عليه شيئا من إعراب شعره ، فقال : والله لأهجونّك ببيت يكون شاهدا على ألسنة النحويّين أبدا ، فهجاه بهذا البيت (٣) :
__________________
(١) ذكر الزبيدي في الطبقات ص ٢٧ ، وتابعه القفطي أن وفاة ابن أبي إسحاق كانت سنة ١١٧ ؛ وقال ابن الأثير وأبو الفدا وابن تغري بردي في النجوم الزاهرة : إنه توفي سنة ١٢٧. (وانظر إنباء الرواة ٢ / ١٠٧).
(٢) كان أقرأ القراء في عصره ، وأخذ عنه عامة حروف القرآن مسند أو غير مسند ؛ من قراءة الحرميين والعراقيين والشام ، وتوفي سنة ٢٠٥. (طبقات الزبيدي ٥١).
(٣) الخبر كما في طبقات الشعراء لابن سلام ١٦ ـ ١٧ وأخبرني يونس أن ابن أبي إسحاق قال للفرزدق في مديحه يزيد بن عبد الملك :
مستقبلين شمال الشام تضربنا |
|
بحاصب كنديف القطن منثور |
على عمائمنا يلقى ، وأرحلنا |
|
على زواحف تزجى ، مخّها رير |
قال ابن أبي إسحاق : أسأت ؛ إنما هي : «رير» ، وكذلك قياس النحو في هذا الموضع. فلما ألحوا على الفرزدق قال :
على زواحف نزجيها محاسير
قال : ثم ترك الناس هذا ورجعوا إلى القبول الأول. وكان يكثر الرد على الفرزدق فقال فيه :
فلو كان عبد الله مولى هجوته |
|
ولكنّ عبد الله مولى مواليا |
والبيت من شواهد النحاة على أن بعض العرب يجرّ نحو «جوار» بالفتحة فيقول : مررت بجواري ؛ بالفتح كما في قول الفرزدق «مولى مواليا». وانظر سيبويه ٢ / ٥٨.