مقدمة
الطبعة الأولى
حينما كنت معنيّا بتحقيق كتاب إنباه الرواة على أنباه النحاة ، للوزير جمال الدين عليّ بن يوسف القفطي كان من أكبر همّي أن أرجع إلى الكتب التي استمد منها المؤلف مادة كتابه ، أو التي شاركته في موضوعه ، لتكون عونا على تحقيق الكتاب ، وتحرير نصوصه ، وإيضاح مبهمه ، وكشف غامضه ، ومقفل مسائله. فكان مما وقع لي كتابان نادران ، لمؤلفين جليلين ، هما كتاب طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي الأندلسي ، وكتاب مراتب النحويين لأبي الطيّب اللغوي ، فوجدت فيهما من جمال التصنيف ، وحسن الأداء ، وغزارة المادة ، ما رغّب إليّ أن أقوم بتحقيقهما ونشرهما ، وخاصة فإنهما يعدان من المصادر الأصيلة الأولى لمن ترجم لأعلام اللغة والنحو والأدب. وعنهما نقل ياقوت والقفطي والصفدي والسيوطي وغيرهم.
وقد تم لي والحمد لله تحقيق كتاب الزبيدي ونشره (١) ؛ وهذا هو كتاب أبي الطيّب اللغوي.
والكتابان وإن كانا متفقين في الموضوع والغاية ؛ إلا أنهما يختلفان شريعة ومنهجا ؛ فكتاب الزبيدي بناه على الطبقات والمدارس ، وعني فيه بذكر الموالد والوفيات ، وحشاه بمختلف الأخبار والطرف والحكايات ؛ عن النحويين واللغويين ، في صدر الإسلام ، ثم من تلاهم ، إلى شيخه أبي عبد الله الرياحي الأندلسي المتوفى سنة ٣٥٨. وكتاب أبي الطيب أقامه على ذكر مراتب العلماء ، ومنازلهم من العلم ، وحظهم في الرواية ، وعقد الصلة بين الشيوخ والتلاميذ ؛ منذ ظهور اللحن ووضع النحو ، ثم ظهور مدرستي البصرة والكوفة إلى أن انتهى العلم فيهما ثم انتقل إلى بغداد ؛ فهو يذكر أبا الأسود الدؤليّ وتلاميذه ، وأبا عمرو بن العلاء
__________________
(١) طبع في مطبعة السعادة سنة ١٩٥٤ م. ثم في دار المعارف سنة ١٩٧٤.