عرفته قبل عشرات السنين ، وتوثّقت الصلة بيننا بمرور الأيّام ، وظلّت الروابط الودّية تشدّنا الى البعض ، حتى قعد المرض بكلّ منّا فأجلسه في زاوية داره ، وسبقنا أخيراً إلى لقاء الله ، وها نحن بانتظار أمره تعالى فقد استأثرت رحمته بإخوان الصفا وخلّان الوفاء تباعاً ، وأوحشنا فراقهم ، وها هي نذر الفناء ورسل الموت تترى علينا ، فنسأله تعالى ( أن يجعل خير عمرنا آخره وخير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيّامنا يوم نلقاه فيه ) .
قضى المترجم له عمره الشريف في خدمة الدين والعلم ، ووقف نفسه لخدمتهما ، حتى أواخر أيّامه ، وجاهد في سبيل الله طويلاً بقلمه ولسانه ، وأسهم في مختلف ميادين الخدمة ومجالات الإصلاح ، فقد قاوم حملات التبشير بعنف وحماس ، وكتب عشرات المقالات في مجلّات البلاد الإسلامية ، ودعا الى مذهب أهل البيت عليهم السلام بما اُوتي من حول وطول ، وذبّ عنهم ونقد خصومهم وحارب أعداءهم بلاهوادة ، وصرف جهوداً بالغة في نشر فضائلهم والإسهام في إقامة شعائرهم ، والإشادة بذكرهم على الملأ ، واهتمّ بآثار السلف ومآثرهم اهتماماً كبيراً ، فعُني بمؤلفاتهم المخطوطة ولا سيّما القديمة والنادرة ، فنسخ منها عدداً لا يستهان به ، وأعان على نشر كثيرٍ منها بمختلف السبل ، باذلاً غاية جهده ، وأعان المخلصين والناشرين في هذا المجال معوناتٍ جمّة (٤) ، ولم يترك باباً من أبواب الخدمة والجهاد التي يمكنه الوصول الى هدفه منها إلّا ولجه .
وله أيادٍ بيضاء في خدمة جماعة من المؤلّفين في النجف وغيرها ، فقد ساعد الكثيرين خلال الأعوام المتمادية ومدّهم بمعلومات وافية وموضوعات طويلة مما يخصّ بحوثهم ، دون أن ينتظر منهم جزاءً أو شكوراً ، بل غرضه من ذلك خدمة العلم للعلم والأدب للأدب ، ولذلك لم تظهر له آثار تتناسب ومقامه الرفيع وضخامة علمه (٥) .
هكذا حفلت حياة الشيخ الجليل بأعمال الخير ، واستنفدت جهده الباقيات الصالحات ، حتى وهت قواه واصيب بالشلل فانزوى في داره في السنوات الأخيرة ، وكان لا يخرج إلّا نادراً وبصعوبة إلّا أنّه لم يفتر عن العمل ، فقد بدأ في تلك العزلة بتأليف تفسير القرآن الكريم وكان يميله على سبطه وأنهى جزءه الأول .
وأدركه الأجل في النجف في ليلة الأحد ١ صفر سنة ١٣٨٠ هجرية وشيّع تشييعاً يليق بمكانته وخدماته ، ودفن في الحجرة الرابعة على يسار الداخل إلى الصحن الشريف من باب السوق الكبير ، وهي التي دفن فيها الشيخ ميرزا علي الإيرواني ، والشيخ محمد كاظم الشيرازي ، ووالد المترجم له ، وغيرهم من الأعلام .