تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » (٢٣) .
ولا بدّ من الوقوف عند اعتراض ابن تيميّة على أهمّية أسباب النزول ، لِنُذَكّر بأنّه إنّما أثار مثل هذه الشبهة محاولة منه لتقويض ما استدلّ به معارضوه ، حيث استدلّوا بنزول الآيات في أهل البيت عليهم السلام ، بدلالاتها الواضحة على فضلهم وأحقيّتهم لمقام الولاية على الاُمّة ، والخلافة عن الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم في قيادة المسلمين .
وحيث لم يكن لابن تيميّة طريق للتشكيك في أسانيد الروايات الدالّة على نزولها في فضل أهل البيت عليهم السلام ولا سبيل للنقاش في دلالتها على المطلوب ، عمد الى إثارة مثل هذه الشبهة بإنكار أهمّية أسباب النزول عموماً ، والتشكيك في إمكان الإستفادة منها في خصوص الآيات النازلة بحقّهم عليهم السلام .
٢ ـ طرق إثباتها
لا ريب أنّ تعيين أسباب النزول وتمييز الصحيح منها عن ما ليس بسبب ، عند الإختلاف ، يحتاج إلى طرق مشخّصة ، سنستعرضها فيما يلي .
ولكني أرى أنّ أهمّ شيء يجب تحصيله في هذا المجال هو تحديد المقصود لكلمة « أسباب النزول » لكي نعتمد خلال البحث والمناقشة معنى واحداً ، فلا تختلط موارد النفي والإثبات ، ولا تتداخل الأدلّة والردود .
نقول : إنّ الظاهر من كلمة « سبب » هو العلّة الموجبة ، ولو التزمنا بهذا المعنى فإنّ ذلك يقتضي حصر موضوع « أسباب النزول » بما كان علّة لنزول الآية ، وأنّ الآية
____________________________
٢٣ ـ ذكر هذا الحديث مرفوعاً عن عليّ عليه السلام في عدّة من التفاسير والمصادر الحديثيّة مثل : تفسير القرطبي ( ١٧ / ٣٠٢ ) ، وابن جرير ( ٢٨ / ١٥ ) ، وابن كثير ( ٤ / ٣٢٧ ) ، ومثل : كنز العمال ( ٣ / ١٥٥ ) ، ومناقب ابن المغازلي ( ص ١١٤ وص ٣٢٥ ) ، وكفاية الطالب للكنجي ( ص ١٣٥ ) ، واحكام القرآن للجصاص ( ج ٣ ص ٥٢٦ ) ، والدرّ المنثور ( ٦ / ١٨٥ ) .
ورواه في الرياض النضرة للطبري ( ٢ / ٢٦٥ ) عن ابن الجوزي في أسباب النزول ، وذكره الواحدي في أسباب النزول ( ص ٢٧٦ ) ، وانظر : جامع الاُصول للجزري ( ٢ / ٢ ـ ٤٥٣ ) ، وفتح القدير ( ٥ / ١٨٦ ) .
نقلنا هذه التخريجات من تفسير الحبري ، تخريج الحديث ( ٦٦ ) .