القصر؟ فقال : لأبيك الحسين. فقلت : ومن هذه المشايخ؟ فقال : هذا آدم ، ونوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، فبينما هو يخاطبني إذ أقبل رجل قمري الوجه كأنه قد إجتمع عليه هَمّ الدنيا ، وهو قابض على لحيته ، فقلت : من هذا؟ فقال : جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فدنوت منه وقلت : يا جداه ، قد قتلت والله رجالنا ، وذبحت والله أطفالنا ، وهتكت والله حريمنا ، فإنحنى عليّ وضمني إلى صدره ، وبكى بكاء عالياً ، فأقبل إبراهيم ، وآدم ، ونوح ، وموسى ، وعيسى وقالوا : إخفضي من صوتك يا بنت الصفوة ، فقد أوجعت قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم أخذ الوصيف بيدي وأدخلني القصر. وإذا بخمس نسوة كالبدور الطالعة ، وبينهن إمرأة ناشرة شعرها ، قد صبغت أثوابها بالسواد ، وبين يديها قميص مضمخ بالدماء ، إن هي قامت قمن النساء مها ، وإن هي جلست جلسن معها ، وكانت تحثو التراب على رأسها بعد مرة ، وتعض الأكف غيضاً وحنقاً ، تكاد أن تذوب مهجتها ، قد إحترق قلبها حزناً لمصاب الحسين ، فقلت للوصيف فمن هؤلاء النسوة؟ فقال : هذه حواء ، ومريم ، وأم موسى ، وآسية ، وخديجة الكبىر ، وصاحبة القميص المضمّخ بالدم جدتك فاطمة الزهراء. فدنوت منها وقلت لها : يا جدتاه ، قتلوا والله أبي ، وأيتمت على صغر سني ، فضمنتني إلى صدرها وقالت : يعزّ والله عليّ ذلك ، وصارت صارخة وقالت : أحرقت قلبي يا سكينة ، من غسّل ابني؟ ... من كفّنه؟ ... من صلى عليه؟ ... من جهّزه؟ ... من سار بنعشه؟ ... من حفر له قبراً؟ ... من تحفّى له؟ ... من لحّده في لحده؟ .. من شرج له لبناً؟ .. من أهال التراب على وجه ولدي وقرّة عيني الحسين؟ .. من ذا كفل أيتامكم يا سكينة بعده؟ .. من حَنّ عليكم