قائظ شديد حَرّه. فلما قام من رقدته دعا بماء فغسل يديه فأنقاهما ثم مضمض فاه ـ ومجّه على عَوْسَجَة كانت إلى جنب خيمة خالتها ـ ، ثلاث مرات ، وإستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه وذراعيه ، ثم مسح برأسه ورجليه وقال : لهذه العَوْسَجَة شأن ، ثم فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك ، ثم قام فصلى ركعتين ، فعجبت وفتيات الحيّ من ذلك ، وما كان عهدنا ولا رأينا مصلياً قبله. فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عارية وأبهى ، وخضد الله شوكها ، وساخت عروقها ، وكثرت أفنانها ، وإخضرّ ساقها وورقها ، فأثمرت بعد ذلك ، وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الوَرْس المسحوق ، ورائحة العنبر ، وطعم الشهد ، والله ما أكل منها جائع إلا وشبع ، ولا ظمآن إلا روي ، ولا سقيم إلا برأ ، ولا ذو حاجة وفاقة إلا إستغنى ، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلا سمنت ودَرّ لبنها ، ورأينا النما والبركة في أموالنا منذ يوم نزل. وأخضبت بلادنا وأمرعت ، فكنّا نسمي تلك الشجرة (المباركة) ، وكان يأتينا من حولنا من أهل البوادي يستظلون بها ، ويتزودون من ورقها في الأسفار ، ويحملون معهم في الأرض القفار ، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب ، فلم نزل كذلك ، وعلى ذلك أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها ، واصفر ورقها ، فأحزننا ذلك وفرقنا له ، فما كان إلا قليل حتى جاء نعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا هو قد قبض ذلك اليوم ، فكانت بعد ذلك تثمر ثمراً دون ذلك في العظم والطعم والرائحة ، فأقامت على ذلك ثلاثين سنة ، فلما كانت ذات يوم أصبحنا وإذا بها قد تَشَوّكت من أولها إلى آخرها ، فذهبت نظارة عيدانها ، وتساقط جميع ثمارها ، فما كان إلا يسيراً حتى وافى مقتل أمير المؤمنين ، علي بن أبي طالب عليه السلام فما أثمرت بعد ذلك لا