إمامتهم ، وإنّما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتمسك بإمامتهم ، وليس ذلك بواجب عقلاً ، ولكنه وجب لهم من جهة السماع. فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب ؛ فهو منكر بَيّن الفساد ، لأنّ الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا يعلم مستفاد ، وهذا لا يكون إلا الله ـ عَزّ وجَلّ ـ وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شدّ عنهم من المفوّضة ومن إنتمى اليهم من الغلاة» (١٠٢).
الشيخ الطبرسي (٤٧٠ هـ ـ ٥٢٨ هـ) :
«ووجدت بعض المشايخ ممن يتسم بالعدوان والتشنيع ، قد ظلم الشيعة الإمامية في هذا الموضع من تفسيره ، فقال : هذا يدل على أنّ الله سبحانه يختص بعلم الغيب ، خلافاً لما تقول الرافضة أنّ الأئمة يعلمون الغيب ، ولا شك أنّه عنى بذلك من يقول بإمامة الإثني عشر ، ويدين بأنّهم أفضل الأنام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنّ هذا دأبه وديدنه فيهم ، يشنع في مواضع كثيرة من كتابه عليهم ، وينسب الفضائح والقبائح إليهم ، ولا نعلم أحداً منهم إستجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق ، فإنّما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد ، وهذه صفة القديم سبحانه العالم لذاته لا يشركه فيها أحد من المخلوقين ، ومن إعتقد أنّ غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة فهو خارج عن ملة الإسلام ، فأما ما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ورواه عنه الخاص والعام من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها .. وما نقل من هذا الفن عن أئمة الهدى (عليهم السلام) .. فإنّ جميع ذلك متلقى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما أطلعه الله عليه ، فلا معنى لنسبة من روى عنهم هذه الأخبار المشهورة ، إلى أن يعتقد
__________________
(١٠٢) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد العبكري : أوائل المقالات / ٦٧.