«تسنأ». ومع ما في هذه الألفاظ من القبح واللكنة فهو أعجم وشعره فصيح لتمام بيانه ، كقوله في رثاء المهلب بن المغيرة :
قل للقوافل والقريّ إذا قروا |
|
والباكرين وللمجدّ الرائح (١) |
إن المروءة والسماحة ضمنا |
|
قبرا بمرو على الطريق الواضح |
فإذا مررت بقبره فاعقر به |
|
كوم الهجان وكل طرف سابح (٢) |
فعلى هذا ـ كما يقول أبو هلال العسكري ـ تكون الفصاحة والبلاغة مختلفتين ، وذلك أن الفاصحة تمام آلة البيان فهي مقصورة على اللفظ ، لأن الآلة تتعلق باللفظ دون المعنى ، والبلاغة إنما هي إنهاء المعنى إلى القلب ، فكأنها مقصورة على المعنى.
وقد استدل أبو هلال على أن الفصاحة تتضمن اللفظ والبلاغة تتناول المعنى بالببغاء ، فالببغاء يسمى فصيحا ولا يسمى بليغا ، إذ هو مقيم الحروف ، وليس له قصد إلى المعنى الذي يؤديه.
ويرى أبو هلال كذلك أنه يجوز أن يسمى الكلام الواحد فصيحا بليغا إذا كان واضح المعنى ، سهل اللفظ ، جيد السبك ، غير مستكره فجّ ولا متكلف وخم ، ولا يمنعه من أحد الاسمين شيء ، لما فيه من إيضاح المعنى وتقويم الحروف.
ويذهب قوم إلى أن الكلام لا يسمى فصيحا حتى يجمع مع نعوت الجودة فخامة وشدة جزالة ، فإذا جمع الكلام نعوت الجودة ولم يكن فيه فخامة وفضل جزالة سمي بليغا ولم يسم فصيحا ، ويضربون لذلك مثلا قول إبراهيم بن العباس الصولي :
__________________
(١) القري : كل شيء على طريق واحد. إذا قروا : إذا ساروا في الأرض.
(٢) العقر : قطع قوائم الفرس أو البعير أو الشاة بالسيف تمكينا من نحرها وذبحها. وكان العرب يعقرون الإبل على قبور الموتى ، أي ينحرونها ، ويقولون : إن صاحب القبر كان يعقر للأضياف أيام حياته فنكافئه بمثل صنيعه بعد وفاته. كوم الهجان : الإبل الكريمة البيضاء الضخمة السنام. الطرف : الكريم من الخيل.