أن «القصاص حياة» لفظتان ، «والقتل أنفى للقتل» ثلاثة ألفاظ ، والوجه الثاني أن في قولهم «القتل أنفى للقتل» تكريرا ليس في الآية ، والوجه الثالث أنه ليس كل قتل نافيا للقتل إلا إذا كان القتل على حكم القصاص.
ومن أمثلة إيجاز القصر في القرآن الكريم أيضا ، قوله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) كلمتان استوعبتا جميع الأشياء على غاية الاستقصاء. روي أن ابن عمر قرأها ، فقال : من بقي له شيء فليطلبه.
وقوله تعالى : (وَالْفُلْكِ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) جمع أنواع التجارات ، وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد والإحصاء.
وقوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ،) فجمع جميع مكارم الأخلاق بأسرها ؛ لأن في العفو صلة القاطعين ، والصفح عن الظالمين وإعطاء المانعين ، وفي الأمر بالمعروف تقوى الله وصلة الرحم ، وصون اللسان عن الكذب ، وغض الطرف عن الحرمات والتبرؤ من كل قبيح ، لأنه لا يجوز أن يأمر بالمعروف وهو يلابس شيئا من المنكر. وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وتنزيه النفس عن مقابلة السفيه بما يفسد الدين.
وقوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). فهذه الآية الكريمة تتضمن مع الإيجاز والفصاحة دلائل القدرة.
وقوله تعالى : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ،) فدل بشيئين «الماء والمرعى» على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للناس ، من العشب والشجر والحطب واللباس والنار والملح والماء ، لأن النار من العيدان ، والملح من الماء. والشاهد على أنه أراد ذلك كله قوله تعالى : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).
ومما ورد من إيجاز القصر في أحاديث الرسول قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كفى بالسلامة داء» ، وقوله : «إنكم لتكثرون عند الطمع ، وتقلون عند الفزع» ،