وقوله : «حبك الشيء يعمي ويصم» ، وقوله : «إن من البيان لسحرا» ، وقوله : «ترك الشر صدقة» ، وقوله : «نية المؤمن خير من عمله» ، وقوله : «إذا أعطاك الله خيرا فليبن عليك ، وابدأ بمن تعول ، وارتضخ من الفضل ، ولا تلم على الكفاف ، ولا تعجز عن نفسك».
فقوله : «فليبن عليك» أي فليظهر أثره عليك بالصدقة والمعروف ودل على ذلك بقوله : «وابدأ بمن تعول ، وارتضخ من الفضل» أي اكسر من مالك وأعط ، وقوله : «ولا تعجز عن نفسك» أي لا تجمع لغيرك وتبخل عن نفسك فلا تقدم خيرا.
ومنه في كلام العرب قول أعرابي : «أولئك قوم جعلوا أموالهم مناديل لأعراضهم ، فالخير بهم زائد والمعروف لهم شاهد» أي يقون أعراضهم ويحمونها بأموالهم.
وقول آخر : «أما بعد فعظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك ، واستحي من الله بقدر قربه منك ، وخفه بقدر قدرته عليك».
وقيل لأعرابي يسوق مالا كثيرا : لمن هذا المال؟ فقال : لله في يدي.
فمعاني هذا الكلام ـ على حد قول أبي هلال العسكري ـ أكثر من ألفاظه ، وإذا أردت أن تعرف صحة ذلك فحلّها وابنها بناء آخر ، فإنك تجدها تجيء في أضعاف هذه الألفاظ.
* * *
ب ـ إيجاز حذف : وهو القسم الثاني للإيجاز ، ويعرفه البلاغيون بقولهم : «هو ما يحذف منه كلمة أو جملة أو أكثر مع قرينة تعيّن المحذوف. ولا يكون إلا فيما زاد معناه على لفظه».
وعن هذا النوع من الإيجاز يقول ابن الأثير : «أما الإيجاز بالحذف فإنه عجيب الأمر شبيه بالسحر ، وذاك أنك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم