فرجعت إلى أبي سليمان (١) ـ وكان ينهاني عن التزويج ويقول : ما تزوّج أحد من أصحابنا إلّا تغيّر ـ فلما سمع كلامها قال : تزوّج بها فإنها وليّة لله ، هذا كلام الصّدّيقين. قال : فتزوجها. قال : وتزوّجت عليها ثلاث نسوة ، فكانت تطعمني الطيّبات وتطيّبني وتقول : اذهب بنشاطك وقوّتك إلى أزواجك (٢). وكانت تشبّه في أهل الشام برابعة العدويّة (٣) في أهل البصرة.
قال سريّ السّقطي (٤) :
أتيت دمشق فسألت عن أحمد بن أبي الحواري فأرشدوني إليه في المسجد ، فقلت : يا أحمد ، عظني وأوجز ، فقال : ما أحسن ، قلت : فأرشدني إلى من يحسن ، قال : صر إلى المنزل فإنّ أهلي تحسن ـ يعني زوجته ـ فمضيت في طريقي فلقيت راهبا كبيرا يتبعه راهب صغير ، فقلت للصغير : لم تتبع هذا؟ قال : هو طبيبي يسقيني الدواء ، فردّد عليه من كلامه شيئا لا أعقله ؛ فجئت إلى منزل أحمد بن أبي الحواري فقرعت الباب ، فكلّمتني امرأة من وراء حجاب فقلت : إني أتيت أحمد فقلت : عظني فقال : ما أحسن ، فقلت : أرشدني إلى من يحسن ، فقال : صر إلى المنزل فإنّ أهلي هي تحسن ، فمضيت في طريقي فإذا براهب كبير يتبعه راهب صغير ، فقلت للصغير : لم تتبع هذا؟ قال : هو طبيبي يسقيني الدواء ، فورد عليّ من كلامه شيء لا أعقله. فقالت : يا ليت شعري! أيّ الدواءين يسقيه دواء الإفاقة أم دواء الراحة؟ قلت : رحمك الله ، وما دواء الإفاقة وما دواء الراحة؟ قالت : أمّا دواء الإفاقة فالكفّ عن محارم الله ، وأمّا دواء الراحة فالرضى عن الله في جميع الأمور كلّها. ثم كلّمتني بكلمة لا تخرج من رأسي أبدا ، قلت : وما هي رحمك الله؟ قال : قالت : أما علمت أنّ العبد إذا أخلص بعمله لله عزوجل ، أطلعه الجليل على مساوئ عمله ، فاشتغل بها عن جميع خلقه. قلت : بسّي (٥).
قالت رابعة :
قالت لي راهبة : إن أردت أن يطهر قلبك ويزكو بدنك فأريدي الله بصومك وصلاتك ، ولا تريدي بهما قضاء الحوائج منه.
__________________
(١) يعني أبا سليمان عبد الرحمن بن أحمد بن عطية الداراني.
(٢) انظر صفوة الصفوة ٤ / ٣٠٢.
(٣) هي أم الخير رابعة ابنة إسماعيل العدوية البصرية ، كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة ، ترجمتها في وفيات الأعيان ٢ / ٢٨٨.
(٤) هو السري بن المغلس أبو الحسن السقطي البغدادي ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٢ / ١٨٥.
(٥) بسّي أي حسبي.