قال أحمد : فحدّثت به أبا سليمان فقال لي : ما هذا كلام راهبة ولا كلامها ، هذا كلام الأنبياء.
قال أحمد بن أبي الحواري :
لقيت راهبا بالأردنّ فقلت : ما اسمك؟ قال : يوسف ، قلت : إلى أين؟ قال : إلى ذاك الدّير ، قلت : ما تقول في الزّهد؟ قال : وما الزّهد؟! إذا وقع في يميني شيء أخرجته بشمالي في الوقت ، قلت : ما تحبس لنفسك شيئا؟ قال : لا ، إذا جاع أو عطش سبّح فشبع وروي ، ومضى وتركني ؛ فالتفتّ فإذا أنا بامرأة تقول : يا فتى ، ما كان فيما جاء به محمّد صلىاللهعليهوسلم كفاية حتى تسأل الراهب؟ فسألت عنها ، فإذا هي رابعة امرأة أحمد بن أبي الحواري.
قال أحمد بن أبي الحواري :
جئت إلى البيت وأنا متفكّر فقالت لي امرأتي رابعة : لم تتفكر؟ قال : قلت : رأيت شيخا راهبا ووراءه غلام حدث ذاهب ، فقلت للغلام : لم تتبع هذا؟ قال : يسقيني الدواء ، فقالت لي رابعة : فما ذا قلت له؟ قال : قلت : ما قلت له شيئا ، قالت : فألا قلت له : دواء الخوف أو دواء المحبّة؟.
قال أحمد بن أبي الحواري (١) :
جلست آكل ، وجعلت رابعة تذكّرني ، قلت لها : دعينها تهنّينا (٢) طعامنا ، قالت : ليس أنت وأنا ممّن يتنغّص عليه الطعام عند ذكر الآخرة.
وقال أحمد : سمعت رابعة تقول (٣) :
ما رأيت ثلجا قطّ إلّا ذكرت تطاير الصحف ، ولا رأيت جرادا قط إلّا ذكرت الحشر ، ولا سمعت أذانا قطّ إلّا ذكرت منادي القيامة.
قال : وقلت لنفسي : كوني في الدنيا بمنزلة المطر الواقع حتى يأتيك قضاؤه.
قال أحمد (٤) :
__________________
(١) الخبر في صفة الصفوة ٤ / ٣٠١ ونسبه في الدر المنثور ص ٢٠١ لزينب العاملية.
(٢) في صفة الصفوة : يهنينا طعامنا.
(٣) الخبر في صفة الصفوة ٤ / ٣٠٢.
(٤) الخبر في صفة الصفوة ٤ / ٣٠١.