امرأة يوسف ، وكان قبل يوسف امرأة فوطرقير العزيز الذي كان اشترى يوسف ـ فلمّا جاءت امرأته إليه فجلست ، وجاء إبليس فجلس معها إلى أيّوب ، فقالت رحمة : يا أيّوب ، قد هلك الولد وهي تبكي ، فجثا إبليس كأنّه حاضن ولده ، ينوح على ولده وعلى أيّوب ، يقول : يا أيّوب ، قد صبرنا على ذهاب المال فكيف بالولد ، وكيف لو رأيت حين رضخوا بالحجارة ، وكيف تفلّقت الهام منهم ، وكيف سال الدّماغ من مناخرهم ، وكيف رضّت عظامهم ، وكيف تناثرت أحداقهم ؛ يا أيّوب ، فكيف بالصّبر بعد هؤلاء على ما نرى بك من هذا البلاء؟ قال : فالتفت إليهما فقال : أمّا الولد فالله كان أرحم بهم مني ومنك أيتها المرأة ـ يعني امرأته ـ وأمّا المال ، فكان عاريّة أعارنيه ربّي توسعت فيه ما دام عندي ، ثم قبضه ، فله الحمد ؛ وأمّا أنت يا أيّها المتكلّف ، فما بكاؤك ونوحك؟! اذهب عني ، فإني قد رضيت بقضاء ربّي وسلّمت لأمره. ثم قال لامرأته : يا هذه ، دعيني عنك من جزعك ، والزمي الصّبر ، قالت : يا سيّدي ، أصبر معك في الضّيق والبلاء والشدّة ، كما صبرت في الرّخاء والنعيم.
وكذلك كان السلف من آبائنا ، إذا ابتلوا صبروا. قال : فانصرف إبليس خائبا منكسرا ؛ قال : وتساقط جلد أيّوب وتناثر لحمه ، وجرى الدّود بين الجلد والعظم (١) ، وانقطع عنه ما كان فيه من نعيم الدّنيا ، فكانت امرأته تتصدّق (٢) الكسرة واللّقمة فتطعمه إيّاه ، وتطحن للناس بيدها وتأخذ بأجرها طعاما (٣) ؛ فلم تزل على ذلك لا يغيّرها عن حالها لأيّوب من طول البلاء.
فجعل إبليس يجمع المردة وأصحابه ، ويطوف المشارق والمغارب يطلب المكيدة لأيّوب ، لا يقدر على شيء يعلم أنه يصل إلى مكايدته إلّا أتاه ، حتى أعياه ذلك ؛ فأتاه من قبل النصيحة والطّب ، فجعل يختلف إليه في صورة رجل مسافر يعرض عليه أنواع المعاصي بسبب الطّب ، فلا يجيبه أيّوب إلى شيء ، فانطلق الخبيث إلى ثلاثة إخوة لأيّوب كانوا مصافين له ، يحبّونه في الله ، فقال لهم : هل تعلمون ما نزل بأخيكم أيّوب؟ قالوا : لا ، فقصّ عليهم قصة أيّوب ، فقال لهم : أرى لكم أن تنطلقوا إليه بطعام ، فإنّ امرأته تتصدّق ، واحملوا إليه
__________________
(١) وبقي على هذه الحال حتى أنتن جسده ، فأخرجه أهل القرية من القرية إلى كناسة خارج القرية لا يقربه أحد إلّا زوجته. انظر الطبري ١ / ١٩٥ والبداية والنهاية ١ / ٢٥٥.
(٢) تتصدق هنا بمعنى سأل راجع تاج العروس : صدق.
(٣) البداية والنهاية ١ / ٢٥٦ ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب خوفا أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته.