خمرا فإنّ شفاءه فيها ؛ فانطلقوا حتى إذا دنوا منه ولم تستطع دوابّهم أن تدنو منه ، لنتن ريحه وما قد تغيّر من لونه ، ولم يبق من أيّوب غير العينين ينظر بهما إلى السماء.
وعن ابن عباس :
إن إبليس حين أيس من أيّوب جمع المردة فقال : ويلكم! أين مكركم وكيدكم الذي كنتم تضلّون به بني آدم؟ قالوا : يا سيّدنا ، قد اضمحلّ ذلك كلّه ، إنما بقيت واحدة ، أن تأتيه من قبل امرأته ، فلعلّ هي أن تخدعه وهو يرقّ لها فتظفر بحاجتك منه. فانطلق إبليس فجلس لها على طريقها فقال لها : يا رحمة ، أين المال؟ أين البنيان؟ أين النعيم؟ أين السّعة؟ أين الخدم؟ أين الولد ، فبكى معها وبكت ، فقال لها : ما تستطيعين أن تكلّميه أن يشرب شربة من خمر ، فإنّ فيها شفاءه ، ثم يتوب؟ قال : وسوس إليها وجرى منها مجراه من ابن آدم ؛ فانطلقت محمارّة وجنتاها ، يرعد كلّ مفصل منها حتى جلست بين يدي أيّوب فقالت : يا أيّوب ، أين المال؟ أين السّعة؟ أين الولد؟ أين الخدم؟ ألا تنظر إلى ما صرنا إليه ، إنما هي شربة ثم تتوب ، فنظر إليها فقال : لعن الله من وسوس إليك! ومن علّمك هذا؟ لله عليّ إن عوفيت لأجلدنّك مائة جلدة عقوبة لك بما فعلت (١). فلمّا أن رأت ندمت وذهب عنها الخبيث ، فوقعت على أيّوب تلحسه وتقول : يا سيّدي ؛ هذا مكان العائذ من غضبك ، فلم تزل به حتى رضي عنها وعذرها.
وعن ابن عباس قال (٢) :
قالت امرأة أيّوب لأيّوب : إنك رجل مجاب الدعوة ، فادع الله أن يشفيك ، فقال : كنّا في النعماء سبعين سنة ، فدعينا نكون في البلاء سبعين سنة ، فمكث في ذلك البلاء سبع سنين (٣).
وعن ابن عباس :
أنّ أيّوب اشتهى إداما من سمن أو لحم أو جبن أو لبن ، فلم تصب امرأته حتى باعت
__________________
(١) راجع ترجمة أيوب المتقدمة ١٠ / ٦٧.
(٢) الخبر رواه المصنف في ترجمة أيوب النبي صلىاللهعليهوسلم المتقدمة من طريق أبي محمد بن أبي شريح بسنده إلى ابن عباس ١٠ / ٦٣ ـ ٦٤.
(٣) اختلفوا في مدة بلواه ، عن مجاهد أنه أول من أصابه الجدري ، ففي الطبري : سبع سنين وأشهرا ، وهو أيضا قول أنس ، وقال وهب : أنه ابتلي ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص ، وقال حميد : مكث في بلواه ثماني عشرة سنة راجع البداية والنهاية ١ / ٢٥٦.