يا أمير المؤمنين ، رملة بنت الزّبير رأيتها تطوف بالبيت فأذهلت عقلي ، والله ما أبديت إليك ما بي حتى عيل صبري ، ولقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله ، والسّلوّ على قلبي فامتنع ؛ فأطال عبد الملك التعجّب من ذلك وقال : ما كنت أقول إنّ الهوى يستأسر مثلك! فقال : إنّي أشد تعجّبا من تعجّبك مني ، ولقد كنت أقول : إنّ الهوى لا يتمكّن إلّا من صنفين من الناس : الشعراء والأعراب ؛ فأمّا الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل ، فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى ، فاستسلموا إليه منقادين. وأما الأعراب فإنّ أحدهم يخلو بامرأته ، فلا يكون الغالب عليه غير حبّه لها ، ولا يشغله شيء عنها ، فضعفوا عن دفع الهوى فتمكّن منهم. وجملة أمري ، فما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحرم ، وحسّنت عندي ركوب الإثم مثل نظري في هذه ؛ فتبسّم عبد الملك وقال : أو كلّ هذا قد بلغ بك؟ فقال : والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا. فوجّه عبد الملك إلى [آل] الزّبير يخطب رملة على خالد ، فذكروا لها ذلك فقالت : لا والله أو يطلّق نساءه ، فطلّق امرأتين كانتا عنده ، إحداهما من قريش ، والأخرى من الأزد ، وكانتا كريمتين عنده. وظعن بها إلى الشام وفيها يقول (١) :
أليس يزيد السّوق (٢) في كلّ ليلة |
|
وفي كلّ يوم من حبيبتنا (٣) قربا |
خليليّ (٤) ما من ساعة تذكرانها |
|
من الدّهر إلّا فرّجت عنّي الكربا |
أحبّ بني العوّام طرّا لحبّها |
|
ومن أجلها (٥) أحببت أخوالها كلبا |
تجول خلاخيل النساء ولا أرى |
|
لرملة خلخالا يجول ولا قلبا |
قال فيها :
نظرت إليها فاستحلّت بها دمي |
|
وكان دمي غال فأرخصه الحبّ |
وغاليت في حبّي لها فرأت دمي |
|
حلالا فمن ها ذاك داخلها العجب |
وقيل : إنّ خالدا تزوّج رملة وهو بالشام وهي بالمدينة ، وكتب إليها فوافته بمكّة ، فأرادها أن يدخل بها قبل أن تحلّ فأبت عليه ، فألحّ عليها ، فرحلت في جوف الليل متوجهة
__________________
(١) الأبيات في الأغاني ١٧ / ٣٤٤ ومعجم الأدباء ١١ / ٤١.
(٢) في المصدرين : السير.
(٣) في المصدرين : أحبتنا.
(٤) ليس البيت في المصدرين.
(٥) في المصدرين ؛ ومن حبها.