يصلي ، فلمّا نظر إليّ انفتل من مصلاه ، ثم قال لي برقّة وتعطف : ألك حاجة؟ فأخبرته الخبر ، فبكا ثم قال : اللهم أنت الشاهد عليّ وعليهم ، أي لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك (١) ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب ، فكتب فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم ، قد جاءتكم بيّنة من ربكم ، فأوفوا الكيل (وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)(٢) إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يأتي من يقبضه منك ، والسلام.
فأخذته منه والله ما ختمه بطين ولا خزمه بخزام ، فعزلته به فقال معاوية : اكتبوا لها بإنصافها والعدل عليها ، فقالت : ألي خاص أم لقومي عام (٣)؟ قال : ما أنت وغيرك؟ قالت : هي إذا والله الفحشاء واللؤم ، فإن كان عدلا شاملا ، وإلّا أنا كسائر قومي ، فقال معاوية : هيهات هيهات. [لقد] لمظكم (٤) ابن أبي طالب الجرأة على السلطان ، فبطيئا ما تفطمون بغيره ، اكتبوا لها بحاجتها.
٩٣٦٤ ـ سلافة مرجّلة عبد الملك بن مروان
أنبأنا أبو بكر الحاسب ، عن أبي محمّد الحسن بن علي ، عن محمّد بن العباس ، أنا أبو أيوب الجلاب ، نا الحارث بن أبي أسامة ، نا محمّد بن سعد ، أنا الواقدي ، حدّثني أفلح هو ابن حميد ، قال : سمعت القاسم يقول : لما حجّ سليمان [بن عبد الملك](٥) فكان بمنى بعد عرفة ، أرسل إليّ وإلى سالم وعبد الله بن عبيد الله بن عمر ، وخارجة بن زيد ، وأبي بكر ابن حزم ، فسألنا عن الطيب ، فأمره خارجة وأبو بكر بالطيب ، فقال له سالم وعبد الله [إن عبد الله](٦) بن عمر كان رجلا جادا مجدا ، فكان لا يقرب النساء حتى يطوف بالبيت ، قال القاسم : ثم سألني فقلت : حدثتني عائشة أنّها طيّبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم لإحرامه ولحلّه قبل أن
__________________
(١) تحرفت بالأصل إلى : «حفظ» والمثبت عن «ز» ، والعقد الفريد وابن الأعثم.
(٢) سورة هود ، الآيتان ٨٤ و ٨٥.
(٣) كذا بالأصل و «ز» ، وفي العقد الفريد وابن الأعثم : ألي خاصة أم لقومي عامة.
(٤) بالأصل : لظلم ، والمثبت عن «ز». والعقد الفريد.
(٥) سقطت من الأصل و «ز» ، واستدرك عن المطبوعة.
(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك عن «ز» للإيضاح.