بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل (١) فتخلّف عن الجيش حتى غدا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليه عمامة حرقانيّة (٢) سوداء. فقال له : «ما خلّفك عن أصحابك؟» قال : أحببت أن أكون أخرهم عهدا بك ، فأجلسه ، فنقض عمامته ، وعمّمه بيده ، وأسدلها بين كتفيه قدر شبر ، وقال : «هكذا فاعتمّ يا بن عوف ، اغد باسم الله ، فجاهد في سبيل الله تقاتل من كفر بالله ، إذا لقيت شرفا (٣) فكبّر ، وإذا ظهرت فهلّل ، وإذا هبطت فاحمد واستغفر ، وأكثر من ذكري عسى أن يفتح بين يديك ، فإن فتح على يديك ، فتزوّج بنت ملكهم». وقال بعضهم : بنت شريفهم. وكان الأصبغ بن ثعلبة (٤) شريفهم ، فتزوّج بنته تماضر ، فلمّا قدم بها المدينة رغب القرشيّون في جمالها ، فجعلوا يسترشدونها ، فترشدهم إلى بنات أخواتها وبنات إخوتها.
وتماضر أوّل كلبيّة نكحها قرشي (٥) ، ولم تلد لعبد الرّحمن بن عوف غير أبي سلمة.
قال عبد الرّحمن بن عوف :
لا تسلني امرأة لي طلاقا إلّا طلّقتها ، فأرسلت إليه تماضر تسأل طلاقها ، فقال للرسولة : قولي لها إذا حضت فلتؤذني ، فحاضت ، فأرسلت إليه ، فقال للرسولة : قولي لها : إذا طهرت فلتؤذني ، فطهرت ، فأرسلت إليه في مرضه فقال : وأيضا ، وغضب ، فقال : هي طالق البتّة لا أرجع لها. فلم تمكث إلّا يسيرا حتى مات ، فقال عبد الرّحمن بن عوف : لا أورّث تماضر شيئا. فرفع ذلك إلى عثمان ، فورّثها (٦) ، وكان ذلك في العدة (٧) ، فصالحوها من نصيبها من ربع الثمن على ثمانين ألفا وما وفوها. وكنّ له أربع نسوة.
حدّث ابن أبي مليكة :
أنه سأل ابن الزّبير عن الرجل يطلّق المرأة فيبينها ثم يموت وهي في عدّتها؟ فقال عبد
__________________
(١) انظر في سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل مغازي الواقدي ٢ / ٥٦٠ وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٨٠ وطبقات ابن سعد ٢ / ٨٩ و ٣ / ١٢٩.
(٢) عمامة حرقانية أي على لون ما أحرقته النار ، وفي سيرة ابن هشام : عمامة من كرابيس سوداء.
(٣) الشرف : بالتحريك ، العلو ، والمكان العالي ، (القاموس).
(٤) كذا ورد هنا : الأصبغ بن ثعلبة» وفي مغازي الواقدي : الأصبغ بن عمرو الكلبي.
(٥) الطبقات الكبرى لا بن سعد ٣ / ١٢٨.
(٦) الإصبة ٤ / ٢٥٥.
(٧) ونقل ابن حجر في الإصابة ٤ / ٢٥٦ من طريق أيوب عن نافع وسعد بن إبراهيم أن عبد الرحمن طلقها ثلاثا فورثها عثمان بعد انقضاء العدة.