______________________________________________________
فإن فعل أحدهما لا يكون مشتقا من الآخر لفقدان المناسبة في اللفظ. وقوله : والمعنى فصل آخر يخرج اللفظين اللذين بينهما مناسبة في اللفظ دون المعنى ، كما في ضرب بمعنى الدق ، وضرب بمعنى الذهاب ، فإن فعل أحدهما لا يكون مشتقا من الآخر لفقدان المناسبة معنى.
فإن قيل : تعريف الاشتقاق لا يتناول الأكبر مع أنه من أفراده كنعق من النهق ؛ لأن بينهما ليست بمناسبة في اللفظ بل في المخرج؟.
قلنا : المراد من المناسبة في اللفظ أعم من أن يكون في جوهر الحروف ، أو في مخرجها كما هو مقتضى لفظ تناسب فيتناول الأكبر ، واعترض على هذا التعريف بوجوه :
الأول : بأنه يتناول كلّا من الضارب والمضروب مثلا بالنسبة إلى الآخر ، مع أنه ليس أحدهما مشتقا من الأخر.
والثّاني : أن هذا التعريف يقتضي أن يكون الاشتقاق هو وجدان المناسبة بين اللفظين ، لا إخراج أحد اللفظين من الآخر ، فيلزم حينئذ أحد الأمرين : إما عدم صحة التفسير المذكور ، أو عدم صحة القول بكون أحد اللفظين مشتقا عن الآخر ؛ لأن وجدان المناسبة صفة المتكلم ، لا صفة اللفظ.
أجيب عن الأول : بأن المراد من المناسبة هو الذي به يكون أحدهما مردودا إلى الآخر بعد حذف الزوائد ، ومأخوذا منه ، ولا شك أن بين الضارب والمضروب ليس مثل ذلك التناسب ، بل بين الضارب والضرب والمضروب والضرب ، ولا يخفى عدم انضباط هذا ؛ لأن هذا التناسب ، لا يوجد بين ضرب ، أي : الماضي وبين ضرب ، أي : المصدر ؛ لعدم تحقق الزائد في الماضي ، حتى تحذف ويرد إلى المصدر. ولك أن تقول : إن المراد بالزائد أعم من الحرف والحركة ، ولا شك أن في الماضي زيادة الحركة متحققة فصح الجواب. وتحقق الضبط.
وأجيب عن الثّاني : بأن في العبارة مسامحة ، والمراد كون أحد اللفظين مناسبا ، للفظ آخر في اللفظ والمعنى مع اشتقاق أحدهما من الآخر ، ودفع بأن فهم ذلك المعنى من ذلك التفسير بعيد كل البعد. والجواب : بأن فهم ذلك المعنى وإن كان بعيدا من هذا التفسير لكنه غير بعيد نظرا إلى المقام والمقصود وهذا القدر يكفينا في هذا الفن لصحة التعريف.
والثّالث : أن الاشتقاق صفة اللفظ ، ووجدان المناسبة صفة المتكلم ، فلا يحمل أحدهما على الآخر ، فالأولى أن يقول خروج لفظ من لفظ آخر بشرط أن يكون بينهما مناسبة في اللفظ والمعنى ، ونحن نقول : إنّ الاشتقاق أيضا صفة المتكلم ، وصفة اللفظ كونه مشتقا ، لأن الاشتقاق : هو الاستخراج ، أو نقول : معنى كلامه الاشتقاق التناسب الموجود بين اللفظين في اللفظ والمعنى ، لكنه تسامح فقدم الوجدان عليه تنبيها على أن ذلك التناسب من الموجودات في نفس الأمر لا من الاعتبارات المحضة ، نظيره ما قيل في تعريف ـ