الصيد والنزهة ، فخرج يوما في بعض نزهه فأتى على حيّتين : إحداهما بيضاء كأنها سبيكة فضة والاخرى سوداء كأنّها فحمة ، وهما يقتتلان وقد غلبت السوداء على البيضاء فكادت تأتي على نفسها فأمر الملك بالسوداء فقتلت وأمر بالبيضاء فاحتملت حتى انتهى بها إلى عين من ماء تفيء عليها شجرة فأمر بصب الماء عليها وسقيت حتى رجعت إليها نفسها فقامت فخلّى سبيلها فانسابت الحية ومضت لسبيلها ، ومكث الملك يومئذ في تصيّد ونزهة ، فلما أمسى ورجع إلى منزله فجلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب ولا أحد ، فبينا هو كذلك إذ رأى شابا أخذ بعضادتي الباب وبه من الشباب والجمال شيء لا يوصف ، فسلم عليه فذعر منه الملك فقال له : من أنت؟ ومن أذن لك في الدخول إليّ في هذا الموضع الذي لا يصل إليّ فيه حاجب ولا غيره؟
فقال له الفتى : لا ترع أيّها الملك إنّي لست بإنسي ولكن فتى من الجن أتيتك لاجازيك ببلائك الحسن الجميل عندي. قال الملك : وما بلائي عندك؟ قال : أنا الحية التي أحييتني في يومك هذا ، والأسود الذي قتلته وخلّصتني منه كان غلاما لنا تمرّد علينا ، وقد قتل من أهل بيتي عدّة ، كان إذا خلي بواحد منّا قتله ، فقتلت عدوّي وأحييتني وجئتك لاكافيك ببلائك عندي ، ونحن أيّها الملك الجن لا الجن. قال له الملك : وما الفرق بين الجن والجنّ. إلى هنا مذكور ثمّ بعد هذا الخبر مقطوع (١).
السادس والعشرون من المعمّرين ربيع بن ضبيع الفراوي ، في الإكمال : لمّا وفد الناس على عبد الملك بن مروان قدم في من قدم عليه الربيع بن ضبيع الفراوي ، وكان أحد المعمّرين ومعه ابن ابنه وهب بن عبد الله بن الربيع شيخا فانيا ، قد سقطت حاجباه على عينيه وقد عصبهما فلمّا رآه الآذن يأذنون الناس على أصنافهم قال له : ادخل أيّها الشيخ ، فدخل يدق على العصا يقيم بها صلبه وكشحه ، ولحيته على ركبتيه ، فلمّا رآه عبد الملك رقّ له وقال له : اجلس أيّها الشيخ ، فقال : يا أمير المؤمنين أيجلس الشيخ وجدّه على الباب. قال : فأنت إذن من ولد الربيع بن ضبيع؟ قال : نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع. قال للآذن : ارجع ، فأدخل الربيع ، فخرج الآذن فلم يعرفه حتّى نادى : أين الربيع؟ قال : ها أنا ذا فقام يتطرق في مشيته ، فلما دخل على عبد الملك سلّم فقال عبد الملك لجلسائه : ويلكم إنّه لأشيب
__________________
(١) كمال الدين : ٥٤٧ ح ١ باب ٥١.