على اختلاف لغاتهم وتباين فطرهم ، فخرجت مع جماعة من الكبار ووجوه التجار نتصفّح أحوالهم ولغاتهم ونلتمس فائدة ربّما وجدناها عند أحدهم ، فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقطت حاجباه على عينيه كبرا ، وحوله جماعة من عبيده وأصحابه فسلمنا عليه فردّ التحية وأحسن التلقية فقال له رجل منّا : هذا السيد ـ وأشار إليّ ـ هو الناظر في معاملة الدرب ، وهو من الفصحاء وأولاد العرب وكذلك الجماعة ، ما منهم إلا من ينتسب إلى قبيلة ويختص بسداد وفصاحة ، وقد خرج وخرجنا معه حين ورد ثمّ نلتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم ، وحين شاهدناك رجونا ما نبغيه عندك لعلوّ سنك. فقال الشيخ : والله يا بني أخي : حيّاكم الله ، إنّ الدنيا شغلتنا عمّا تبغونه منّي فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي وهابيته ، وأشار إلى بيت كبير بإزائه ، فقلنا النظر إلى مثل والد هذا الشيخ أهم فائدة فلنتعجّل ، فقصدنا ذلك البيت فوجدنا خباء في كسره شيخ مضطجع وحوله من الخدم والأمراء.
وفي ما شاهدناه أوّلا ورأينا عليه من آثار السن ما يجوز أن يكون والد ذلك الشيخ ، فدنونا منه وسلّمنا عليه وأحسن الردّ وأكرم الجواب ، فقلنا له مثل ما قلنا لابنه وما كان من جوابه ، وأنّه دلّنا عليك فعرجنا بالقصد إليك فقال : يا بني أخي حيّاكم الله إنّ الذي شغل ابني عمّا التمستموه هو الذي شغلني عمّا هذه سبيلي ، ولكن الفائدة تجدونها عند والدي وها هو بيته ، وأشار إلى بيت منيف بنحوه منه ، فقلنا فيما بيننا : حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فإن كانت منه فائدة بعد ذلك فهي ربح لم تحتسب ، فقصدنا ذلك الخباء فوجدنا حوله عددا كثيرا من الإماء والعبيد ، فحين رأونا تسرعوا إلينا وبدءوا بالسلام علينا فقالوا : ما تبغون حيّاكم الله؟ فقلنا : نبغي السلام على سيّدكم وطلب الفائدة من عنده ببركتكم.
فقالوا : الفوائد كلّها عند سيّدنا ودخل منهم من يستأذن ثمّ خرج بالإذن لنا فدخلنا فإذا سرير في صدر البيت وعليه مخاد من جانبيه ووسادة في أوّله ، على الوسادة رأس شيخ قد بلي وطار شعره ، والإزار على المخاد التي من جانبي السرير لتستره ولا شغل منها عليه ، فجهرنا بالسلام فأحسن الرد ، وقال قائلنا مثل ما قال لولد ولده وأعلمناه أنّه أرشدنا إلى أبيه فحجنا بما احتج به وأنّ أباه أرشدنا إليك وبشّرنا بالفائدة منك ، ففتح الشيخ عينين قد غارتا