فهجرته ، وخرجت حتّى صرت إلى العبّاسية أتهيّأ للصلاة واصلّي وأنا واقف متفكّرا فيما قصدت لطلبه إذا أنا بآت قد أتاني فقال : أنت فلان ـ اسمه بالهند ـ؟ قلت : نعم ، قال : أجب مولاك، فمضيت معه فلم يزل يتخلّد في الطرق حتّى أتى دارا وبستانا فإذا أنا به عليهالسلام جالس فقال : مرحبا يا فلان ـ بكلام الهند ـ كيف حالك وكيف خلفت فلانا وفلانا وفلانا ، حتّى عدّ الأربعين كلّهم فسألني عنهم واحدا واحدا ، ثمّ أخبرني بما تجاريناه كلّ ذلك بكلام الهند ، ثمّ قال : أردت أن تحجّ مع أهل قم؟ قلت : نعم يا سيدي. فقال : لا تحجّ معهم وانصرف سنتك هذه وحجّ في قابل ، ثمّ ألقى إليّ صرّة كانت بين يديه فقال لي : اجعلها نفقتك ولا تدخل إلى بغداد إلى فلان ـ سمّاه ـ ولا تطلعه على شيء وانصرف إلينا إلى البلد ، ثمّ وافانا بعض الفيوج فأعلمونا أنّ أصحابنا انصرفوا من العقبة ، ومضى نحو خراسان فلمّا كان في قابل حجّ وأرسل إلينا بهدية من طرف خراسان فأقام بها مدّة ثمّ مات رحمهالله (١).
التاسع : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن محمد بن أحمد بن خلف قال : نزلنا مسجدا في المنزل المعروف بالعبّاسية على مرحلتين من فسطاط مصر ، وتفرّق غلماني في النزول وبقي معي في المسجد غلام أعجمي ، فرأيت في زاويته شيخا كثير التسبيح فلمّا زالت الشمس ركعت وصلّيت الظهر في أوّل وقتها ودعوت بالطعام وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني ، فلمّا طعمنا سألته عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته ، فذكر أنّ اسمه محمد بن عبيد الله وأنّه من أهل قم ، وذكر أنّه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحقّ وينتقل في البلدان والسواحل ، وأنّه أوطن مكّة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الأخبار ويتتبع الآثار ، فلمّا كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت ، ثمّ صار إلى مقام إبراهيم فركع فيه وغلبته عينه فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله.
قال : فتأمّلت الداعي فإذا هو شاب أسمر لم أرقط في حسن صورته واعتدال قامته ، ثمّ صلّى فخرج وسعى فتبعته وأوقع الله في نفسي أنّه صاحب الزمان ، فلمّا فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب فقصدت أثره ، فلمّا قربت منه إذا أنا بأسود مثل الفنيق (٢) قد اعترضني فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه : ما تريد عافاك الله؟ فارتعدت ووقفت وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيّرا ، فلمّا طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي
__________________
(١) الكافي : ١ / ٥١٧ ح ٣.
(٢) الفنيق : الفحل من الابل المكرم.