تساوي ألف دينار وهي أحبّ إليّ من ولدي فقلت : دعوني أتزوّد من فرسي بمشوار فإلى اليوم ما أجد بها غاية ، فركضتها إلى رابية بعيدة منّا قدر فرسخ فمررت بجارية تحطب تحت الرابية فقلت : يا جارية من أنت ومن أهلك؟ فقالت : أنا لرجل علوي في هذا الوادي ومضت من عندي فرفعت مئزري على رمحي وأقبلت إلى أصحابي فقلت لهم : أبشروا بالخير ، الناس منكم قريب في هذا الوادي ، فمضينا فإذا بخيمة في وسط الوادي فطلع إلينا منها رجل صبيح الوجه أحسن من يكون من الرجال ، ذؤابته إلى سرّته وهو يضحك ويجيئنا بالتحية فقلت : يا وجه العرب العطش ، فنادى : يا جارية هاتي من عندك الماء ، فجاءت الجارية ومعها قد حان فيهما ماء فتناول منهما قدحا ووضع يده فيه وناولنا إيّاه ، وكذلك فعل بالآخر فشربنا عن أقصانا من القدحين وأرجعناهما عليه وما نقص القدحان ، فلمّا روينا قلنا له : الجوع يا وجه العرب ، فرجع بنفسه ودخل الخيمة وأخرج بيده منسفة فيها زاد وقد وضع يده وقال : يجيء منكم عشرة عشرة فأكلنا جميعا من تلك المنسفة والله يا فلان ما تغيّرت ولا نقصت. فقلنا : نريد الطريق الفلاني؟ فقال : هذاك دربكم ، وأومى لنا إلى معلم ، ومضينا فلمّا بعدنا عنه قال بعضنا لبعض : أنتم خرجتم من أهلكم لكسب والمكسب قد حصل لكم فنهى بعضنا بعضا وأمر بعضنا به ثمّ اجتمع رأينا على أخذهم فرجعنا فلما رآنا راجعين شدّ وسطه بمنطقة وأخذ سيفا فتقلّد به وأخذ رمحه وركب فرسا أشهب والتقانا وقال : لا تكن أنفسكم القبيحة دبّرت لكم القبيح. فقلنا : هو كما ظننت ورددنا عليه ردّا قبيحا فزعق بزعقات فما رأينا إلّا من داخل قلبه الرعب وولّينا من بين يديه منهزمين فخط خطة بيننا وبينه وقال : وحقّ جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يعبرنّها أحد منكم إلّا ضربت عنقه فرجعنا والله عنه بالرغم منّا. هذاك العلوي حقّا لا من هو مثل هؤلاء (١).
الحكاية التاسعة : في العوالم عن سيّد علي بن عبد الحميد في كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان ما أخبرني من أثق به وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد الغروي : أن الدار التي هي الآن سنة سبعمائة وتسع وثمانين أنا ساكنها كانت لرجل من أهل الخير والصلاح يدعى الحسين المدلّل ملاصقة بجدران الحضرة الشريفة وهو مشهور بالمشهد الشريف الغروي وكان الرجل له عيال وأطفال فأصابه فلج ومكث مدّة لا يقدر على القيام
__________________
(١) البحار : ٥٢ / ٧٦ ح ٥٥.