رسول الله في قوله عزوجل : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (١) وقوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) (٢) وحق والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الامّة من بعدك في قوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٣).
يا مفضّل ويقوم الحسن إلى جدّه فيقول : يا جدّاه كنت مع أمير المؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتّى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فوصّاني بما وصيته ، يا جدّاه وبلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل فأمر بالقبض عليّ وعلى أخي الحسين وسائر إخواني وأهل بيتي وشيعتنا وموالينا وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية فمن يأبى منّا ضرب عنقه وسيّر إلى معاوية رأسه ، فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلاة ورقيت المنبر واجتمع الناس فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت : معشر الناس عفت الديار ومحيت الآثار وقلّ الاصطبار فلا قرار على همزات الشياطين ، وحكم الخائنين الساعة والله صحت البراهين وفصلت الآيات وبانت المشكلات ولقد كنّا نتوقّع تمام هذه الآية وتأويلها قال الله عزوجل (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٤) فلقد مات والله جدّي رسول الله وقتل أبي وصاح الوسواس الخنّاس في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة وخالفتم السنّة فيا لها من فتنة صمّاء عمياء ، لا تسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ولا يخالف واليها ، ظهرت كلمة النفاق وسيّرت رايات أهل الشقاق وتكالبت جيوش أهل المراق من الشام والعراق ، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح والنور الوضاح والعلم الحجّاج والنور الذي لا يطفأ والحقّ الذي لا يخفى.
أيّها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ومن تكاثف الظلمة فو الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة لئن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية ونيّات مخلصة لا يكون فيها شوب نفاق ولا نيّة افتراق لأجاهدنّ بالسيف قدما قدما ولأضيفنّ من السيوف جوانبها ومن الرماح
__________________
(١) سورة الاحقاف : ٣٥.
(٢) سورة النحل : ١٢٧.
(٣) سورة آل عمران : ١٤٤.
(٤) سورة آل عمران : ١٤٤.