كان أبو حنيفة من الذاهبين إلى القول «بالجبر» والداعين إليه، وينص هذا الرأي على أن الفعل الصادر من الإنسان ليس مخلوقاً له، وليس صادراً منه باختياره، وانما هو مخلوق لله، وصادر عن إرادة الله، وإن إرادة الانسان وقدرته لا مدخل لها في ايجاد أي فعل سواء أكان صادراً منه باختياره أم مكرهاً عليه، وقد أجمعت الشيعة على بطلان ذلك. وقد سافر أبو حنيفة إلى يثرب ليحاجج الامام الصادق عليهالسلام الذي عرف بانه من خصوم هذه الفكرة، ولما انتهى اليها قصد دار الامام، وجلس في دهليز الدار ينتظر الأذن وبينما هو جالس إذ خرج صبي يدرج فبادره أبو حنيفة قائلا: «أين يضعُ الغريبُ حاجته؟».
فالتفت إليه قائلاً يا شيخ أسأت الأدب أين السلام، السلام قبل الكلام ولمّا سلّم وأعاد السؤال فأجابه: «توق شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقارعة الطريق، وتوار خلف الجدار، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، وضع أين شئت».
وسأله مسألة ثانية قائلاً: (يا غلام، ممّن المعصية؟ هل هي من الله أو من العبد؟) وانطلق الامام فأجابه: «لا تخلو أما أن تكون من الله، وليس من العبد شيء، فليس لله أن يأخذ العبد، بما لم يفعل، وأما أن تكون من العبد ومن الله، والله أقوى الشريكين فليس للشريك القوي أن يأخذ الضعيف بذنب هو فيه سواء، وإما أن تكون من العبد، وليست من الله فان شاء عفا، وإن شاء عاقب وهو المستعين...».
قال أبو حنيفة معترضاً على الإمام موسى الكاظم عليهالسلام لمّا كان صغيراً، فقال وهو يُحدّث الإمام الصادق عليهالسلام: ان ابنك موسى يُصلّي والناس تمرُّ من بين يديه؟! فقال الصادق عليهالسلام: سَلْهُ يُجبك؟ فلمّا سأله، فقال الامام الكاظم عليهالسلام لأبي حنيفة، يا هذا إنَّ الذي أُصلّي إليه أقرب إليَّ منهم ثم تلا قوله تعالى: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ».