كان هارون الرشيد طاغوت زمانه وقد بلغ هارون إلى اوج قدرة الخلافة وصارت سعة الممالك التي تحت حكومته إلى حيث نقل انه خاطب السحاب في السماء بقوله «أينما تمطرين يأتيني خراجك» وكان من شدّة حرصه على الخلافة والإمارة أن خاطب ولده المأمون «والله لو نازعتني في هذا الأمر أخذتُ الذي فيه عيناك فانَّ الملك عقيم».
وقد كانت شدّة التقية حول الامام موسى الكاظم عليهالسلام بحيث يحتشم التصريح باسمه الشريف بين عامة الناس حتى أن في الروايات المروية عنه عليهالسلام ربّما اقتصرت عند التسمية عنه بالفقيه، والعالم، والعبد الصالح والشيخ(١) وأمثالها حذراً عن التصريح به بما لا يوجد مثله في روايات آبائه الكرام وأبنائه المعصومين.
لقد ورد عنه عليهالسلام في التقية: «أن أكرم الناس عند الله أعملهم بالتقية». وروى في المحاسن للبرقي ص ٢٥٨ بسنده عن عبدالله بن حبيب عن موسى بن جعفر عليهالسلام في قول الله عز وجل «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، قال عليهالسلام: اشدّكم تقية. والظاهر ان مورد التقية كانت في غير مقام اتمام الحجة، واما في بيان العقائد الحقة والاحكام الالهية، فانما تسوغ اذا حصل اتمام الحجة ببيان آخر صدر منه او من امام آخر تمت به الحجة. ولذلك ترى ان الحمل على التقية انما يجوز عند الفقهاء اذا كان هناك حديث معارض له، وعند ذلك ورد الأمر بالأخذ بما خالف العامة والغاء ما وافقهم واسقاطه عن الحجية.
ملاحظة: نقل عن آية الله العظمى الكوهكمري قدسسره انه يقول في ابحاثه الفقهية اني لم أجد مورداً صدَرَ عنهم عليهمالسلام في مقام التقية كلام يخالف الواقع بل كل ما صدر عنهم في مقام التقية فله محل صحيح، والتقية مجرد إيهام الخلاف وبالدقة
_________________________
(١) وهذا الأخير ورد في حديث ابن مسكان في الكافي ج ١ ص ٣٧٣.