تأكلون ، وزعمت أنّه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا ، فإنّما الأمر لله يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وهو محمود ، وليس لك ولا لأحد الإعتراض عليه بلم وكيف؟.
ألا ترى أنّ الله تعالى كيف أفقر بعضاً وأغنى بعضاً ، وأعزّ بعضاً ، وأذلّ بعضاً ، وأصحّ بعضاً وأسقم بعضاً ، وشرّف بعضاً ووضع بعضاً وكلّهم ممّن يأكلّ الطعام؟.
ثم ليس للفقراء أن يقولوا : لِمَ أفقرتنا وأغنيتهم؟ ولا للوضعاء أن يقولوا : لِمَ وضعتنا وشرّفتهم؟ ولا للزمني والضعفاء أن يقولوا : لِمَ أزمتنا وأضعفتنا وصححّتهم؟ ولا للأذّلاء أن يقولوا : لِمَ أذللتنا وأعززتهم؟ ولا لقبائح الصور أن يقولوا : لِمَ قبّحتنا وجمّلتهم؟ بل إن قالوا : ذلك كانوا على ربّهم رادّين ، وله في أحكامه منازعين ، وبه كافرين ، ولكان جوابه لهم : إنّي أنا الملك الخافض الرافع المغنى المفقر ، المعزّ المذلّ ، المصحّح المستقيم ، وأنتم العبيد ليس لَكم إلّا التسليم لي والإنقياد لحكمي ، فإن سلّمتم كنتم عباداً مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم بي كافرين ، وبعقوباتي من الهالكين.
ثم أنزل الله تعالى عليه : يا محمّد «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ» (١) يعني قل لهم : أنا في البشريّة مثلكم ، ولكن ربّي خصّني بالنبوّة دونكم ، كما يخصّ بعض البشر بالفناء والصحّة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصّني أيضاً بالنبوّة.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأمّا قولك : إن هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلّا كثير المال ، وعظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده فإنّ الله
__________________
١ ـ الكهف : ١١٠ ، وفصّلت : ٦.