وظهر على يده ما يعجز عنه البشر ، لم يكن في ذلك ما يدلّكم أنّ ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه حتّى يصير ذلك معجزاً.
ألا ترون أنّ الطيور الّتي تطير ليس ذلك منها بمعجز ، لأنّ لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها ولو أنّ آدميّاً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً ، فالله عزّوجلّ سهّل عليكم الأمر ، وجعله بحيث تقوم عليكم حجّته ، وأنتم تفترحون عمل الصعب الذي لا حجّة فيه.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأما قولك ما أنت «إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا» (١) فكيف أكون كذلك ، وقد تعلمون أنّي في صحّة التمييز والعقل فوقكم؟ فهل جرّبتم عليّ منذ نشأت إلى أن إستكملت أربعين سنة جريرة ، أوزلّة ، أوكذبة ، أوخيانة ، أوخطأ من القول ، أو سفهاً من الرأي؟ أتظنّون أنّ رجلاً يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوّتها أوبحول الله وقوّته؟ وذلك كما قال الله تعالى : «انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا» (٢) إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجّة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأمّا قولك : «لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» (٣) الوليد بن مغيرة بمكه أوعروة بالطائف فإنّ الله تعالى ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ، ولا خطر له عنده كما عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافراً به ، مخالفاً له شربة ماء ، وليس قسمة رحمة الله إليك ، بل الله القاسم للرحمات ، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزّوجلّ ممّن يخاف أحداً
__________________
١ ـ الإسراء : ٤٧. والفرقان : ٨.
٢ ـ الإسراء : ٤٨.
٣ ـ الزخرف : ٣١.