كما تخافه أنت لماله وحاله ، فتعرفه بالنبوّة لذلك ، ولا ممّن يطمع في أحد في ماله كما تطمع ، فتخصّه بالنبوة لذلك ، ولا ممّن يحبّ أحداً محبّة الهوى كما تحبّ ، فتقدّم من لا يستحق التقديم.
وإنّما معاملته بالعدل : فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وجلاله إلّا الأفضل في طاعته ، والأجدّ في خدمته ، وكذلك لا يؤخّر في مراتب الدين وجلاله إلّا أشدّهم تباعاً عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حالٍ بل هذا المال والحال من تفضّله ، وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب.
فلا يقال : إذا تفضّل بالمال على عبده فلابد من أن يتفضّل عليه بالنبوّة أيضاً ، لأنّه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ، ولا إلزامه تفضّلاً ، لأنّه تفضّل قبله بنعمه.
ألا ترى يا عبدالله كيف أغنى واحداً وقبّح صورته؟ وكيف حسّن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرّف واحداً وأفقره ، وكيف أغنى واحداً ووضعه؟ ثم ليس لهذا الغني أن يقول : وهلّا اُضيف إلى يساري جمال فلان؟ ولا للجميل أن يقول : هلّا اُضيف إلى جمالي مال فلان؟ ولا للشريف أن يقول : هلّا أُضيف إلى شرفي مال فلان؟ ولا للوضيع أن يقول : هلّا أُضيف إلى ضعتي شرف فلان؟ ولكن الحكم لله يقسّم كيف يشاء ويفعل كما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله ، وذلك قوله تعالى : «وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» (١). قال الله تعالى : «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ» (٢) يا محمّد «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (٣). فأحوجنا بعضاً إلى بعض ، أحوجنا هذا
__________________
١ ـ الزخرف : ٣١.
٢ ـ الزخرف : ٣٢.
٣ ـ الزخرف : ٣٢.