لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله تعالى.
وجبر الله تبارك وتعالى أهل مكة بهذه الغزوة ، وفرّحهم بما نالوا من النصر والمغنم ، فكانت كالدواء لما نالهم من كسرهم.
وإن كان عين جبرهم وقهرهم تمام نعمته عليهم ، بما صرفه عنهم من شر من كان يجاورهم من أشراف العرب ، من هوازن وثقيف ، بما أوقع بهم من الكسرة ، وبما قيّض لهم من دخولهم في الإسلام ، ولو لا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها.
ومن تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله سبحانه وتعالى لمسبباتها قدرا وشرعا ، فإن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أكمل الخلق توكلا ، فقد دخل مكة والبيضة على رأسه ، ولبس يوم حنين درعين ، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١). وكثير ممن لا تحقيق عنده يستشكل هذا ويتكايس في الجواب ، تارة : بأن هذا فعله «صلىاللهعليهوآله» تعليما لأمته ، وتارة : بأن هذا كان قبل نزول الآية!!
لو تأمل : أن ضمان الله سبحانه وتعالى له العصمة لا ينافي تعاطيه لأسبابها ، فإن هذا الضمان له من ربه تبارك وتعالى لا ينافي احتراسه من الناس ولا ينافيه ، كما أن إخبار الله عزوجل له بأنه يظهره على الدين كله ويعليه ، لا يناقض أمره بالقتال ، وإعداد العدة والقوة ، ورباط الخيل ، والأخذ بالجد والحذر ، والإحتراس من عدوه ، ومحاربته بأنواع الحرب ، والتورية ، فكان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها ، وذلك لأنه إخبار من الله تعالى
__________________
(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.