ولا يصح عقاب المسلمين الذين ولوا أدبارهم ، لأن الله هو الذي أذاقهم مرارة الهزيمة والكبوة ، ليطأ الرؤوس التي رفعت في الفتح ، ولم تفعل كما فعل النبي «صلىاللهعليهوآله» حين دخل مكة ، مطأطئا رأسه ، منحنيا على فرسه ..
فلماذا إذن يغضب الله تعالى على الذين يولون الأدبار ، ويقول : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١).
ولا يصح أيضا إثابة المجاهدين الذين نصروا الله ورسوله ، لأن الله سبحانه هو الذي تولى فعل ذلك دونهم ، لأن حكمته اقتضت أن يفعله ، وان يحركهم في تلك الحال حركات لا معنى ولا أثر لها على الإطلاق ..
على أن هذا الجبر المزعوم لا بد أن يصادر الحجة التي يحتج بها أهل الحق على أهل الباطل .. إذ لا يصح لهم أن يعترضوا عليهم لأجل شركهم ، لأنهم معذرون فيه ، فهو مفروض عليهم جبرا وقهرا .. ولم تعد لله الحجة البالغة على أحد من المشركين والمجرمين ، لأن عذرهم معهم. بل تصبح لهم هم الحجة على الله ، لأنهم لا بد أن يقولوا له تعالى : «أنت الذي تفعل ذلك بنا ، فكيف ولماذا تعذبنا على ما تفعله أنت»؟!
٢ ـ إنه زعم : أن السكينة قد أنزلت على الذين ولوا مدبرين .. مع أن الآية لم تقل لهم : أنزل الله سكينته عليكم. بل غيرت السياق إلى الغيبة وقالت : (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ..
__________________
(١) الآية ١٦ من سورة الأنفال.