وقد ذكرنا فيما سبق : أن نزول السكينة على المنهزمين والعاصين لله لا يصح. بل نزلت على من جاهد وصبر ، وواجه عشرات الألوف من الأعداء ، فهو الذي يستحق هذه الكرامة الإلهية ، والهبة الربانية دون سواه.
٣ ـ زعم هذا القائل : أن السكينة نزلت على المنهزمين ، مستشهدا بآية : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (١).
وهو كلام غير دقيق ولا مجال لقبوله ، فإن الذين تتحدث عنهم الآية المباركة هم أناس قهرهم بغي فرعون وهامان وجنودهما ، واستضعفوهم ، وأذلوهم من دون أن يقصّر أولئك المقهورون ، والمستضعفون في أداء واجبهم.
أما المنهزمون في حنين ، فلم يكن لهم عذر في هزيمتهم ، وقد تخلفوا عن أداء واجبهم ، بل ارتكبوا ما استحقوا به غضب الله تبارك وتعالى .. وقد قرّعهم الله سبحانه في قرآنه الكريم بما هو معروف وواضح في مقاصده ودلالاته ، فما معنى قياس هؤلاء على أولئك ، وما المبرر لاستفادة المساواة في جريان سنة الله تعالى التي أجراها الله في الذين استضعفهم فرعون ، في التاركين لواجبهم الشرعي والعاصين لله تعالى في قصة حنين؟!
٤ ـ وأما جبر (٢) أهل مكة بغزوة حنين ، وتفريحهم بما نالوا من النصر والمغنم ، فلا يمكن قبوله أيضا ، لأن هذا النصر لم يفرح أهل مكة. بل لعلهم
__________________
(١) الآيتان ٥ و ٦ من سورة القصص.
(٢) المقصود : جبر النقص الوارد عليهم.