تؤكّد إنّ لأنها تقع جوابا لقولك : ما جاءني عمرو لكنّ زيدا جاءني ، والجواب لا يتقدّمه شيء لئلا يفصل / بينه وبين ما هو جوابه ، فلو أدخلت اللّام في خبر لكنّ لقدّرت قبل لكنّ ، فكانت تنقطع مما قبلها ، وذلك غير جائز. وأمّا قول الشاعر :
... |
|
ولكنّني من حبّها لكميد (١) |
فإنّما أراد : ولكنّ إنني من حبّها لكميد ، فأدخل اللام في خبر إنّ.
وهذا مثل قول الله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)(٢) على قراءة من قرأ بإثبات الألف ، وأصله عند العلماء أجمعين على هذه القراءة : لكن أنا هو الله ربّي ، فألقيت الهمزة تخفيفا ، وأدغمت النون الأولى في الثانية (٣) ، وكذلك الشاعر لمّا قال : لكنّ إنني ، فحذف الهمزة ،
__________________
(١) هذا شطر بيت ، صدره : يلومونني في حب ليلى عواذلي.
وهو مما يستشهد به الكوفيون على جواز دخول اللام في خبر لكنّ ، مدّعين أن النقل يؤيدهم ، ويرى البصريون أن هذا الشاهد شاذ ، لا يؤخذ به لشذوذه وقلّته ، وأنه لو كان دخول اللام في خبر لكنّ قياسا مطردا لكثر في كلامهم. والبيت ، إلى ذلك ، مجهول القائل ، ولا يعرف له نظير ، وفي صدره مخالفة ثانية. والكميد : الحزين. ويروى : لعميد ، وهو الذي أضناه العشق. وانظر معاني القرآن ١ : ٤٦٥ والإنصاف ، المسألة : ٢٥ والمغني ١ : ٢٥٧ وشرح الشواهد ٢ : ٦٠٥ وابن عقيل ١ : ١٤١ والأشموني ١٤١.
(٢) سورة الكهف ١٨ : ٣٨.
(٣) وكذلك قال ابن خالويه في هذه الآية. انظر إعراب ثلاثين سورة ص : ٥.