البحث
البحث في النّحو الوافي
مقدمة الكتاب ، ودستور تأليفه.
بيان هامّ.
١
الحمد لله على ما أنعم ، والشكر على ما أولى ، والصلاة على أنبيائه ورسله ؛ دعاة الهدى ، ومصابيح الرشاد. وبعد.
فهذا كتاب جديد فى النحو. والنحو ـ كما وصفته من قبل ـ (١) دعامة العلوم العربية ، وقانونها الأعلى ؛ منه تستمد العون ، وتستلهم القصد ، وترجع إليه فى جليل مسائلها ، وفروع تشريعها ؛ ولن تجد علما منها يستقل بنفسه عن النحو. أو يستغنى عن معونته ، أو يسير بغير نوره وهداه.
وهذه العلوم النقلية ـ على عظيم شأنها ـ لا سبيل إلى استخلاص حقائقها ، والنفاذ إلى أسرارها ، بغير هذا العلم الخطير ؛ فهل ندرك كلام الله تعالى ، ونفهم دقائق التفسير ، وأحاديث الرسول عليه السّلام ، وأصول العقائد ، وأدلة الأحكام ، وما يتبع ذلك من مسائل فقهية ، وبحوث شرعية مختلفة قد ترقى بصاحبها إلى مراتب الإمامة ، وتسمو به إلى منازل المجتهدين ـ إلا بإلهام النحو وإرشاده؟ ولأمر ما قالوا : (إن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرط فى رتبة الاجتهاد ، وأن المجتهد لو جمع كل العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النحو ، فيعرف به المعانى التى لا سبيل لمعرفتها بغيره. فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه ، لا تتم إلا به (٢) ...) وهذه اللغة التى نتخذها ـ معاشر المستعربين ـ أداة طيّعة للتفاهم ، ونسخرها مركبا ذلولا للإبانة عن أغراضنا ، والكشف عما فى نفوسنا ، ما الذى هيأها لنا ، وأقدرنا على استخدامها قدرة الأولين من العرب عليها. ومكّن لنا من نظمها ونثرها تمكنهم منها ، وأطلق لساننا فى العصور المختلفة صحيحا فصيحا كما أطلق لسانهم ، وأجرى كلامنا فى حدود مضبوطة سليمة كالتى يجرى فيها كلامهم ، وإن كان ذلك منهم طبيعة ، ومنا تطبعا؟
__________________
(١) فى كتابى المسمى : «رأى فى بعض الأصول اللغوية والنحوية».
(٢) الفصل الحادى عشر من كتاب : «لمع الأدلة فى أصول النحو» لأبى البركات كمال الدين محمد الأنبارى ، المتوفى سنة ٥٧٧ ه.