الذي اشتمل على الأهواز ، وخوزستان في الجنوب الشرقي ـ وبين فارس والجبال ، وأصر عمر على رفضه مهاجمة الفرس في بلدهم الأصلي ودام رفضه بضع سنوات. لكن الأمر الدال هو أن أهم ما في الجهاز الدفاعي الإيراني استقر بالعراق. ثم أن خط الدفاع ضد «البرابرة» القادمين من الغرب ، لم يكن موجودا في أسفل جبل زاغروس ، بل على مرتفعات الطّف ، وراء الفرات ، ومواجها للبادية العربية (١).
لا شك أن العرب ما انفكوا يتسللون في كل العصور ، من بلاد العرب إلى بلاد الرافدين. ولو اقتصرنا على المؤرخين العرب كالطبري والمسعودي ، لكان شعورنا أن محاولات الاستقرار التي قامت بها الجموع العربية تعود إلى عهد سحيق مع ملاحظة أن أولئك المؤرخين كانوا يخلطون بين القديم والحديث ، وما كان قابلا للتصديق وما لم يكن كذلك. روى الطبري (٢) أنه وجد تجار عرب في بلاد الرافدين زمن نبختنصر الذي عاش في عصر معدّ بن عدنان (كانت هذه المعاصرة أسطورية لكنها كثيرة الأهمية كعلامة ذهنية). وقد تلقى الملك من الرب أمرا بالقضاء عليهم ، لكنه بنى لهم حيرا (معسكرا) ثم تخلى عن هذه الفكرة ، فاستقروا عند ذلك في الأنبار (٣). وروى الطبري كذلك في موضع آخر ، أن العرب أقاموا بالحيرة والأنبار في عهد ملوك الطوائف أي زمن دولة الأرصسيديين. Arsacides
وقد استفاد عناصر من تغلب وقيس وغطفان واياد ، كانوا تجمعوا في البحرين تحت إسم تنوخ الجامع لرايتهم ، ولعل عناصر من لخم والأزد انضموا إليهم ، استفادوا من انقسام الفرس ، فأقاموا غرب الفرات حسب خط متواصل يمتد من الأنبار إلى الحيرة (٤). وتقول المصادر أنهم حافظوا على شخصيتهم ، حيث كانت لهم شخصية مستقلة ثابتة بصفة خاصة.
كانوا لا يسكنون إلا الخيام ، ولم يختلطوا بالأهالي ، وقد سمّي أولئك العرب المقيمون بالطّف بعرب الضاحية أي عرب الأطراف. على أن جميع العرب الذين أقاموا خارج شبه الجزيرة ، من الأبلّه إلى الشام مرورا بالجزيرة ، عاشوا عيشة مهمشة واتصفوا بصفات مشتركة وربطوا علائق قرابة وثيقة بينهم ، حيث كانوا محاصرين بين العالم العربي الداخلي والهياكل الامبراطورية الخارجية. وما يدل على ذلك أن جمهرة ابن حزم (٥) ، صنفت تنوخ ، وغسان ،
__________________
(١) لا سيما خندق سابور والحاميات الفارسية الموجودة بمنابع نهر الطفّ ، وفي عين الصيد وقطقطانة ، ورهيمة ، وعين جمل : البلاذري ، فتوح البلدان ، القاهرة ، ١٩٣٣ ، ص ٢٩٦.
(٢) تاريخ الطبري ، ج ١ ، ص ٥٥٨.
(٣) لكن من المعلوم أن الأنبار أنشئت بعد ذلك بكثير من طرف سابور ذي الأكتاف : الدينوري ، الأخبار الطوال ، طبعة بيروت ، ص ٤٨ ـ ٤٩.
(٤) الطبري ، ج ١ ، ص ٦٠٩.
(٥) الجمهرة ، طبعة القاهرة ، ص ٤٦١.