والطبري (١) ، والخطيب البغدادي (٢) ، إضافة إلى بحثين كتبهما لاسنرLassner (٣) يظهر بوضوح أن «المدينة المدورة» جسدت تمييزا لمساحة مركزية كثيرة الاتساع ـ تشتمل على القصر والمسجد وعمارة للشرطة وحزامين للحماية والسكن ، مع سوق داخل الأروقة في البداية. إنّ الرّحبة تبرز كأحد العناصر الأساسية للمساحة المركزية لأنّها تتطابق مع كل الخلاء العاري الذي يحيط بالمسجد والقصر وتفصلهما عن الحزام السكني. وهكذا يصبح الشبه بالكوفة عجيبا ـ وسنعود إلى هذا الأمر ـ وهو يسمح بتسليط الضوء على وضع الكوفة ، انطلاقا من بغداد والعكس ، بفضل جملة من المقارنات. وبما أن تصميم الرّحبة كان أحسن ببغداد ، وبما أنّه وقع إقصاء الأسواق من المساحة المركزية (٤) ، فقد صارت أكثر اتساعا ، وأحاطت بفراغها ومن كلّ جانب بالمركّب المركزي. وقد مر بنا أنه كان ينبغي التفكير في مدها في الكوفة أيضا ، إلى كل الواجهة الغربية من المسجد ، حتى نهاية المساحة المركزية (٥) وتمتد بعدها الخطط أي قطائع السكن. على أن الأسواق في الكوفة تحتل جهة الشمال داخل المساحة المركزية ، فضلا عن أن القطائع السكنية ستقرض منها نوعا ما ، وهي قطائع استثنائية وشخصية اقطعت لأشراف الناس (٦) ، (اشترى عيسى بن موسى دار المختار ، التي كانت ملاصقة للمسجد ، وذلك لكي يتمادى في الذهاب إليه حسب مشيئته) (٧). وهناك نقطة أخرى تشكل وجه شبه : لم يمش الناس في رحبة المنصور إلا سيرا
__________________
بمساكن ودواوين. وكانت الشوارع بين الأروقة.
(١) التاريخ ، ج ٧ ، ص ٦٥٢ ـ ٦٥٤.
(٢) تاريخ بغداد ، ج ١ ، ص ٧٤ وما بعدها.
(٣) The» Caliph\'s personal domain «, dans Islamic City,, pp. ٣٠١ ـ ٨١١. ومن المهم مقارنته بمقال جيد لصالح العلي نشر في المجموعة نفسها ، ص ٨٧ ـ ١٠١ ؛ انظر أيضا : The. Topography of Baghdad in The Early Middle Ages, Detroit, ٠٧٩١.
(٤) الطبري ، ج ٧ ، ص ٦٥٢. وضعت الأسواق في الأروقة الأربعة قبل أن يتمّ نقلها إلى الخارج بالكرخ. وقد أمر المنصور في العملية ذاتها بسد الأبواب التي تفتح على الرّحبة ، وفتح أبواب أخرى في الفصيلات بين الأروقة : المرجع نفسه ص ٦٥٢. راجع أيضا لاسنر ، art.cit.,p.٣١١ ، فالرسوم المصاحبة لبحثه تضمنت مواضع متفرقة للرّحاب داخل مركبات الأبواب ، بمثابة ساحات للخروج ، لا غير. وسمّى الرّحبة الكبرى» Inner court «مما يبعث على اللبس. وقد اقتبس هذه الرسوم عن كريسويل وهرزفيلد. (Herzfeld)
(٥) من الممكن تعريف الرحبة أولا بكل الخلاء غير المبني ولذا تكون محيطة تماما بالجامع والقصر ومحتوية على الأسواق قبل أن تبنى ويتحدّد مجالها. فهناك إشارات إلى أن السوق الأولية كانت بالرحبة بمعناها الأشمل.
(٦) اليعقوبي ، كتاب البلدان ، ص ٣١٠ ؛ الطبري ، ج ٦ ، ص ١٩ بخصوص دار عمرو بن حريث.
(٧) الطبري ، ج ٨ ، ص ١٢٢. يفسر قرب دار المختار من المسجد موقف الشيعة المتأخرين الذين اعتبروا أن قبره كان موجودا في إحدى زوايا المسجد : البراقي ، تاريخ الكوفة ، ص ٦١. يظهر أن مسلم بن عقيل نزل في دار المختار : أنساب الأشراف ، ج ٦ ، ص ٢١٤.