على الأقدام. وقد روى الطبري (١) والخطيب أيضا (٢) حادثة وقعت لعيسى بن عليّ ، ومفادها أن هذا الشخص وهو أحد أقرباء الخليفة كان مريضا ، فلم يقدر على قطع الرّحبة على طولها مشيا على الأقدام ، لكي يصل إلى القصر. وتدل هذه الحادثة بوضوح على أن حظر الركوب بالرّحبة صادر عن المنصور ، وهو انطبق على الكوفة تبعا لبغداد ، وأن الركائب كانت تحطّ بالرّحبة في السابق فيما يخص الكوفة ، على الأقل يوم الجمعة. وأخيرا ، فقد تحولت بعد ذلك الرّحبة في بغداد إلى مصلى (٣) ، وقد تم ذلك منذ خلافة المهدي وربما قبل ذلك في الكوفة. وهكذا نلحظ تفاوتا في التطور ، لكنّنا نلحظ أيضا تماثلا عجيبا في هذا التطور ، وبذلك نكتشف كثيرا من الخاصيات للكوفة في بدايتها تظهر في بغداد في خلافة المنصور ، شكليا وعلى مستوى التصور (٤).
من الضروري أن نتساءل الآن عن مصدر الرّحبة. هل كانت من أصل بابلي أم هلينستي ، أم ساساني ، أم روماني بيزنطي ، أم من جنوب بلاد العرب؟
لقد رأينا أنّه تشكل قبل ظهور الإسلام ، نوع من الصورة المعممة للبنية المدنية حيث تجمعت كل التقاليد الخاصة. وهو أمر صالح أساسا للمساحة المركزية ، كما بالنسبة للعناصر المكونة لها (القصر والمعبد) ، ولا بد أنّ الأمر يكون كذلك بالنسبة لساحة المعبد والقصر. ومن المعلوم أنّ مثل هذه الساحة كانت ، بصورة أدق ، موجودة في المدن اليمنية ، وفي المدن الساسانية أيضا ، وقد تحدثنا سابقا عن البوميريوم pomerium وعن الساحة المركزية في المدن الرّومانيةforum ، مع أن المكان الأول يطابق بالأحرى فكرة الصحن. ومن المفيد التمعن في فكرة الأغوراagora التي انتشرت كثيرا في الشرق في ذلك العصر (٥). فماذا نجد في دمشق ، المدينة التي تفيد المؤرخ ، لأنّها تحملت الاستمرار في التقطع؟ نجد هنا أيضا ، في
__________________
(١) التاريخ ، ج ٧ ، ص ٦٥٢.
(٢) تاريخ بغداد ، ج ١ ، ص ٧٧.
(٣) ليس الأمر بديهيا تماما في نص الطبري الذي يروي انتفاضة سنة ٢٥٢ : التاريخ ، ج ٩ ، ص ٣٥٨. وعلى كل فقد صارت الرحبة مرتبطة بالمسجد ارتباطا عضويا ، واستمدت اسمها منه ، وكانت واسعة جدا وشعورنا بعد قراءة متأنية أن الرّحبة استخدمت كمصلى. وقد شدد اليعقوبي تأكيده على هذه النقطة ، ولهذا الأمر اعتباره حيث ألف كتابه في الفترة ذاتها تقريبا. كتاب البلدان ، ص ٢٤٠.
(٤) سوف نعود إلى هذه النقطة الرئيسة ، إذ لا نوافق العليّ ولا لاسنر على رأيهما. ولنشر منذ الآن إلى نصيب أهل الكوفة في بناء الحاضرة الجديدة : أبو حنيفة الفقيه الكبير ، راجع الطبري ، ج ٧ ، ص ٦١٩ ؛ وابراهيم بن حبيش الكوفي ، المرجع نفسه ، ص ٦٥٣.
(٥) لنسجل فكرة لويس ممفورد عن انتشار النموذج الهلينستي حيث جرى تعميم الصبغة الهلينستية على الصعيد العالمي «كنموذج منمط للصناعة المسترسلة» :.Mumford ,op.cit.,p.٩٦٢. ولا بدّ أن الفرس قد استبطنوا هذا النموذج.