لكن في مستوى مركز المساحة. فضلا عن أن كلمة أسواق في الجمع تدل على بنية متفرعة ممتدة واسعة متنوعة ، وهي لا تعبّر إلا بصعوبة عن بنية مطولة بسيطة. ومن المعلوم أن مثل هذه السكك المتجهة إلى شمال / شمال شرقي كانت موجودة في الكوفة ، وكانت تصل بين القصر والجسر ، ثم في اتجاه السواد ، مخترقة المساحة المركزية والخطط القبلية. ولعل السكة الرئيسية كانت «سكة البريد» ، وهي الطريق البريدية الأساسية للاتصال (١) ، قبل أن تكون سكة لحام جرير كذلك ، كما قال ماسينيون (٢). وأخيرا يؤكد سيف أنه لم يكن يوجد في بداية الأمر ، في الصحن ، سوى المسجد والقصر والأسواق (٣) بحيث تتساوى السوق والكتل المجالية الأخرى ، ويكون قوله مؤيدا للتصور الخاص بالأسواق المفتوحة الواسعة الممتدة ، أي الميدان المحيط بالمسجد ، الذي يتقدم حتى القصر ، ويتوغل حتى الشمال والغرب والشرق.
وكانت هذه الأسواق مغطاة بالحصر ، في بداية الأمر (٤). ولم يتمّ الشروع في بنائها إلا بعد مدة تناهز القرن (فترة خالد القسري) ، وكان ذلك على قواعد متينة جمالية. فهل بقيت على وضعها القديم قبل ذلك؟ يمكن ترجيح ذلك إلى حد بعيد لأن أبا مخنف يفوه بخصوص فترة المختار (٦٦ ه / ٦٨٥ م) بما يفيد أن الأسواق لم يكن فيها بناء في ذلك الزمان (٥).
وعلى صعيد التنظيم وحسب ، من المعلوم أن أماكن الباعة لم يقر لها قرار. لكن إذا احتل البائع مكانا لأول مرة ، فإنه يستمر يشغله كامل يومه ، كما هو معمول به في المساجد (٦). وهذا أمر يحملنا على القول أن التنظيم والتخصص في الأسواق كانا معدومين. وسوف يتحقق هذا الأمر في العصر الأموي (٧).
الآري :
أما الآري ، فقد ذكره الطبري مرتين (٨) ، كما ذكره اليعقوبي (٩) ، بحيث أن اتحادهما في
__________________
(١) انظر لاحقا.
(٢) Massignon ,op.cit.,pp.٢٤ ,٥٤.
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٤) كتاب البلدان ، ص ٣١١.
(٥) الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٥٨ ؛ ج ٦ ، ص ١٩ و ٣٠ و ١٠٦.
(٦) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٧) يبدو أن زيادا قد شجع على استقرار المواقع والتخصص في البصرة بصورة ما : أنساب الأشراف ، ج ٤ (١) ، ص ٢٣٩.
(٨) الطبري ، ج ٤ ، ص ٥٢.
(٩) كتاب البلدان ، ص ٣١٠.