ذاته يتضمن شيئا منها ، فيما يرويه وما لم يروه ، في صميم الخطاب وفي خلفيته. لنبدأ بالتمعن فيه. وجدير بنا أن نورد الجمل الأساسية في حرفيتها :
«لما أجمعوا على أن يضعوا بنيان الكوفة أرسل سعد إلى أبي الهياج فأخبره بكتاب عمر في الطرق أنه أمر بالمناهج أربعين ذراعا مما يليها ثلاثين ذراعا وما بين ذلك عشرين وبالأزقة سبع أذرع ليس دون ذلك شيء وفي القطائع ستين ذراعا إلا الذي لبني ضبة» (١).
«ونهج في الودعة من الصحن خمسة مناهج وفي قبلته أربعة مناهج وفي شرقيه ثلاثة مناهج وعلّمها. فأنزل في ودعة الصحن سليما وثقيفا مما يلي الصحن على طريقين وهمدان على طريق وبجيلة على طريق آخر وتيم اللات على آخرهم وتغلب ، وأنزل في قبلة الصحن بني أسد على طريق وبين بني أسد والنخع طريق وبين النخع وكندة طريق وبين كندة والازد طريق ، وأنزل في شرقي الصحن الأنصار ومزينة على طريق وتميم ومحارب على طريق وأسد وعامر على طريق ، وأنزل في غربي الصحن بجالة وبجلة على طريق وجديلة وأخلاط على طريق وجهينة وأخلاط على طريق.
«فكان هؤلاء الذين يلون الصحن وسائر الناس بين ذلك ومن وراء ذلك واقتسمت على السهمان فهذه مناهجها العظمى. وبنوا مناهج دونها تحاذي هذه ثم تلاقيها وأخر تتبعها وهي دونها في الذرع والمحال فيما بينها ومن ورائها وجعل هذه الطرقات من وراء الصحن» (٢).
إنها لصفحة كثيفة مهمة ، وهي تتطلب شرحا ضافيا. وسنعمل على توضيح عدة نقاط ، لكن هناك نقاطا أخرى ستبقى غامضة إلى الأبد. لقد استخدمت كلمة طريق في معناها العام بداية ، أي منهج ، وفتحة ، وسكة بما في ذلك المناهج الواسعة ، والمناهج الأخرى الأقل اتساعا ، إلى أن نصل إلى السكك الصغرى. ثم إن الأمر تعلق بمقام القبائل ، فدلت الكلمة ذاتها على المناهج العريضة. وقد تحدث أبو مخنف في رواية ثورة المختار ، عن «الطرق العظمى (٣) بالكوفة ، ويبدو أنها كانت المنافذ الكبرى التي أقامت بها القبائل على امتدادها. فأصبحت الكلمتان (مناهج وطرق) مترادفتين (٤). وهذا لا يعني ما
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٤.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٢١. كلمة تتضمن درجة أسمى بالنسبة للسكك.
(٤) تدل طريق على سكة حيث تصطف الدور وما هو منتظم «من بين الأزقّة» : الزبيدي ، تاج العروس ، ج ١٠ ، ص ٤٣. يبدو أن كلمة طريق عامة وأن المنهج يرتب بالمرتبة الأولى بالنظر للعرض ، ثم تدل السكة على صفوف النخيل. وأخيرا فالزقاق أضيقها جميعا ، لكنه سكة صالحة للمرور : المرجع نفسه ، ج ٧ ، ص ٣٤٧.