والخطط المرتبطة بها كانت تشكل حزاما أول ، سيتم من ورائه استقرار موجات الروادف ، في حين استقرت قبائل أخرى في الفجوات.
والغريب أن سيفا لم يذكر هذه القبائل في نصه في بداية الأمر : كانت تلك حال بكر وحال طي بالخصوص. كأن الأمر متعلق بامتياز يرتبط بالمنتفعين الأولين بالخطط بصورة نظامية ، ثم ألم تشر مصادرنا إليهم فسمتهم أهل الخطط (١) ، بمعنى الناس الذين حصلوا على الأراضي بصورة قانونية ومعهم أولئك الذين أقاموا قريبا من المساحة المركزية؟
إن هذه الخطط مهيّأة لأن تتحول إلى أشكال طوبوغرافية على أقل تقدير ، وربما إلى أحياء حضرية بالمعنى الدقيق ، وإلى أن تسمى مختلف الأماكن في المدينة بأسماء القبائل (فيقال : ذهبت إلى كندة وجهينة) (٢). فصار مهما جدا ذكر مواقعها على خريطة. لكن هنا تعترض سبيلنا صعوبات هائلة. فما هو الترتيب الذي رتب عليه سيف القبائل التي روى أسماءها؟ وهل ينبغي البدء يمينا أم يسارا ، أم من الوسط؟ وعلى فرض أن نبدأ من اليمين ، وهو العنصر الخيّر بصورة تقليدية ، عنصر اليمن الذي يصطبغ بصبغة دينية ، فعلينا أن نتصور عند ذلك أن المخطط الذي حدد للقبائل أماكنها ، كان يدور سريعا وعلى التوالي إلى القبلة ، وإلى الشمال الشرقي ، والشمال الغربي ، والجنوب الغربي ، وهو يواجه الوجهة المقصودة في كل مرة ، وهذا هو الأمر الأكثر ترجيحا لأنه يجسم الطريقة التي بها يفكر سيف. لنعد إلى طريقته في الحديث عن الرامي الذي يبدأ يمينا ، ووصف وجهة المسجد : ...
«ووضع المسجد يمنة على القبلة ثم مدّ به إلى منقطع رحبة علي والرحبة قبلته». ثم : «فكانت قبلة المسجد إلى الرحبة وميمنة القصر» (٣). نجد ميمنة القصر من جديد ، لأن العلامة المرجع ترتبط باتجاه الصلاة. وهكذا يقع الاستناد إلى عنصر الميمنة بصفة واضحة. هل كانت الميمنة متنقلة ، تواجه الشخص الذي يطلق النبل ، ويأمر ، ويوزع كما ينبغي ، أم كانت ثابتة بالنسبة للقبلة ثباتا ضمنيا؟ (٤). هذان الافتراضان كلاهما راجح ، ويترتب عنهما
__________________
(١) ابن سعد ، ج ٦ ، ص ٢٢١ ، في ترجمة صعصعة بن صوحان ، من رفاق عليّ. وقد تحدثت كتب متأخرة في فقه الحنفية عن أهل الخطة واعتمدت روايات قديمة : السرخسي ، ج ٢٦ ، ص ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١١٢ ؛ والسمرقندي ، ج ٣ ، ص ١٧٥.
(٢) مثلا ابن سعد ، ج ٦ ، ص ١٨ ، ٢٦ ، العبارة واضحة جدا في فتوح البلدان ، ص ٢٧٩ : «ويقولون جئت من حمراء ديلم كقولهم جئت من جهينة». راجع أيضا : الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٨ ؛ وكيع ، أخبار القضاة ، ج ٢ ، ص ٤٢٤ حيث نرى الشعبي يقطع جهينة ليقوم بجولته اليومية.
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٦.
(٤) لا يمكن اعتماد القبلة بالنسبة للشمال ، بل يمين الشخص المكلّف بإقرار القبائل الذي يواجه الشمال ، أي من الشرق إلى الغرب ، سليم وثقيف وهمدان وبجيلة ، الخ .. وخلافا لذلك ، يكون الأمر كذلك بالنظر للجنوب ،